نصت المادة 17 من القانون المعدل لقانون الجرائم الالكترونية والذي دفعت به حكومة عمر الرزاز والذي رفضه مجلس النواب السابق من القراءة الأولى وبرد سياسي على ما يلي:
"لا تسري أحكام هذا القانون على التعليقات التي ترد على الموقع الالكتروني او نظام المعلومات او الشبكة المعلوماتية التابعة لأي شخص اذا كان نشرها قد تم دون تحكم او تدخل منه ما لم يثبت اشتراكه او تدخله الفعلي في نشرها."هذا التعديل الذي اقترحته الحكومة فيه اعتراف صريح ان التعليقات على شبكات التواصل الاجتماعي هي خارج سيطرة أصحاب الصفحات الشخصية او التابعة للمؤسسات الإعلامية، ولذلك اقترحت الحكومة هذا النص المعدل للقانون.اما النص النافذ والذي اعتبر ان التعليقات جزءا من المادة الصحفية فهو مختص بالتعليقات التي ترد على الأخبار المنشورة مباشرة على المواقع الالكترونية وليس على شبكات التواصل الاجتماعي التابعة لها، لان إجازتها تتم من لوحة التحكم لكل مؤسسة، فالقانون يلاحق حسب الصلاحيات ويفترض ان تلك التعليقات قد تم مراجعتها من المحرر وقام بإجازتها وإظهارها للعلن، وهذا لا يتم على الإطلاق على شبكات التواصل الاجتماعي والتطبيقات الناشرة للمواد الصحفية مثل نبض وغيرها.وبناء على ذلك قامت معظم المواقع الالكترونية بوقف التعليق المباشر على الأخبار تجنبا للملاحقة القانونية وفقا لصلاحيات الإجازة، وتركت التعليقات على شبكات التواصل الاجتماعي مفتوحة لأنها لا تندرج تحت صلاحياتها بالنشر ولكن يمكن حذفها لاحقا.مراجعة التعليقات تتطلب جهدا كبيرا من المؤسسات الإعلامية وبعض الشبكات التي تعيد نشر المواد ليس للمؤسسات إعلامية سلطة عليها، من هنا جاء التعديل الحكومي بان يتم الفصل بين المواد الصحفية والتعليقات عليها على شبكات التواصل الاجتماعي لقناعتها النيرة وقتها بان لا تتحمل المؤسسة الإعلامية مسؤولية التعليقات، والتعامل مع كل تعليق بملاحقة منفردة بعيدا عن الناشر والمؤسسات، وخاصة انه يمكن تحديد شخصية المعلق وملاحقته بشكل منفصل. إلا أن الهيئة بتعميمها الأخير بتحميل المؤسسات الإعلامية مسؤولية التعليقات وملاحقتها قانونا على مضمونها حاولت الاصطياد بالماء العكر لوجود فراغ قانوني بهذا الشأن بين النص النافذ القاصر وبين النص المعدل والذي ما زال عالقا في أدراج مجلس النواب، وكأنها تقول دعونا ننسى أخطاء الماضي ونرتكب أخطاء جديدة.فكان الأولى بها ليس ملاحقة المؤسسات الإعلامية بل الطلب من الحكومة سحب القانون المعدل من مجلس النواب وفتح حوار شامل حوله ، استنادا للنصوص الدستورية في المادتين 15 و17 والتي نصت على كفالة الدولة لحق التعبير وحق الأردنيين بمخاطبة السلطات العليا في الشؤون العامة.الحكومات المتعاقبة أبدعت في التضييق على الأردنيين بنصوص مبهمة وتتعارض مع المادة 128 من الدستور والتي نصت على عدم جواز سن قانون يسلب الأردنيين حقوقهم المنصوص عليها بالدستور، وبرعت باستغلال اي فراغ قانوني بالنص او بالتفسير المتعدد بإصدار تعليمات تطيح بحقوق الأردنيين وتحصن حكومات ضد النقد. ونحن هنا لا ندافع عن السب والشتم على شبكات التواصل الاجتماعي، ولكن لا يجوز اخذ السب والشتم كذريعة لتغليظ العقوبات والتضييق على المؤسسات الإعلامية، وحتى التعليقات الخارجة عن المألوف والجارحة أحيانا يمكن ان تدرس وترصد من هيئة الإعلام للاستفادة منها لمعرفة مستوى حالة الاحتقان لدى المواطنين الأردنيين في تفاعلهم مع القضايا العامة والتي وصلت الى حد التشكيك وعدم الثقة بمؤسسات الدولة، فلنبحث عن الأسباب ولا نكتفي برصد وملاحقة الظواهر، وهنا يكون دور هيئة الإعلام اشمل وأكثر وعيا منسجما مع غاياتها، لا ان تتحول الى ممارسة دور الشرطي الملتصق بالسلطة التنفيذية والمتمسك بالدفاع عن شخوصها على حساب الوطن .
هيئة الإعلام: لننسى أخطاء الماضي ونرتكب أخطاء جديدة
مدار الساعة ـ