اخبار الاردن اقتصاديات دوليات جامعات وفيات برلمانيات احزاب وظائف للاردنيين رياضة أسرار و مجالس مقالات مختارة مقالات تبليغات قضائية مناسبات جاهات واعراس مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة كاريكاتير رفوف المكتبات طقس اليوم

جواد العناني يكتب: كأس العالم والقوة الناعمة


جواد العناني
رئيس الديوان الملكي ونائب رئيس الوزراء الأسبق

جواد العناني يكتب: كأس العالم والقوة الناعمة

جواد العناني
رئيس الديوان الملكي ونائب رئيس الوزراء الأسبق
مدار الساعة (العربي الجديد) ـ نشر في 2022/12/22 الساعة 11:16
أبت مسابقة كأس العالم لعام 2022، والتي أقيمت في دولة قطر في الفترة من 19 نوفمبر وحتى 18 ديسمبر الجاري، إلا أن تنتهي بدراما خاصة بها، وبأسلوب يتناسق مع كل التطورات التي رافقت موافقة الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) على إجرائها في دولة صحراوية صغيرة.
وقد جاءت المبارزة الحامية والتنافسية حتى آخر لحظة في المباراة النهائية التي أقيمت بين منتخبي الأرجنتين وفرنسا معبّرة عن الحكاية كلها.
لقد شكّك كثيرون في إمكانية عقد المنافسة الكروية العالمية في قطر بسبب التغيير في مواعيدها المعتادة في شهري الصيف الأولى (يونيو/ حزيران ويوليو/ تموز) إلى وقت متأخر في شهري نوفمبر/ تشرين الثاني وديسمبر/ كانون الأول، ما سبب تقطّعاً في المنافسات الكروية القُطرية بين فرق الدول المشاركة في شرف التنافس على كأس العالم.
ومن بعدها ثارت الوساوس والمزاعم بأن قطر لن تستطيع توفير الإمكانات المناسبة لاستيعاب المباريات والجماهير الحاشدة والراغبة في حضور المباريات. ولكن قطر أنشأت الملاعب والفنادق والمطاعم وأماكن التسوّق والترفيه والمولات والمحال التجارية وغيرها.
كما استعدت ببنية تحتية قوية وطرق وشبكة مواصلات عامة وأسطول طيران وفنادق عائمة ومناطق مشجعين وغيرها من الإمكانات التي خدمت نحو 1.4 مليون مشجع حضروا النسخة الأخيرة من مونديال كأس العالم التي اختتمت أعمالها في العاصمة القطرية الدوحة يوم الأحد الماضي.
والمدهش في هذا كله أن قطر استطاعت أن تفرض هويتها القَطرية والقومية والدينية على الجميع، ما أكسبها احتراماً وتقديراً، فلم تتنازل عن عدم السماح بتناول الخمور والمخدّرات في مدرجاتها، ولم تتح الفرصة أمام المثليين لكي يتخذوا من المناسبة فرصة مجانية لترويج أمر مخالف لتقاليد دولة قطر. وعلى الرغم من الهجمة المنظمّة التي وجهت ضد قطر من صحف ومحطّات إعلامية دولية، إلا أن الدولة المضيفة فرضت هيبة المكان والإرث على الزائرين.
ولم يقصّر المنظمون على الإطلاق في فتح مركز ومسجد لشرح الإسلام وتعاليمه، وجاء الدافع لهذا الأمر رغبة في مكافحة "الإسلاموفوبيا" والتهميش المقصود لهذا الدين السماوي التوحيدي، ولكي يصبح مدخلاً مشروعاً لشيطنة كل من اعتنق هذا الدين وآمن به.
ولم تقصّر قطر في ترويج ثقافتها المحلية من خلال سوق واقف الشعبي ومتحف قطر الوطني والمتحف الإسلامي وغيرها، وترويج رموز أهل البلد بدءاً من زيّهم المحلي، مروراً بطعامهم وعاداتهم وأسواقهم حتى اللحظة الأخيرة حين ألبس أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني كابتن فريق الأرجنتين ليونيل ميسّي العباءة الخليجية (البشت).
وبذلك أحالت قطر هذه المناسبة الكروية لإطلاع الناس على محتواها الفكري والثقافي والاجتماعي. وقدّمت كذلك نماذج رائعة في دقّة التنظيم مروراً بكل التفاصيل من استقبال الزوار والمشجعين، وتنظيم المنامات والإقامات، وضمان توفير كل الوسائل التي تمكّن الفرق المشاركة من التدرّب والعلاج، والاستراحة، وذلك بدون تمييز ضد أحد، أو مداراة لأي أحد.
ونجحت الدوحة في الترتيبات الدقيقة لكل وسائل الإعلام القادمة من كل مناطق العالم، لكي يتمكن الصحافيون البالغ عددهم نحو 17 ألف من متابعة كل نشاط داخل الملاعب وخارجها. وتميّزت الاستعدادات الإعلامية بأن جعلت جمهرة الناس والمشجّعين جزءاً أساسياً من هذه الدراما.
والأهم من ذلك كله، أن ذلك كله جرى ضمن ترتيبات أمنية دقيقة، فلم يسجّل أي حدثٍ يخلّ براحة الزوار والمشجعين، ولا بالخوف من أي حدثٍ غير متوقع. وانتهت مباريات كأس العالم 2022، وفازت الأرجنتين في آخر لحظة بضربات الجزاء على فرنسا حاملة اللقب. وبكى نجم المنتخب الفرنسي كيليان مبابي رغم أدائه الرائع. ويحقّ له أن "يتدلع" مقابل ما قدّمه من متعة وإثارة في الدقائق الأخيرة من المباراة النهائية في وقتيها الأصلي والإضافي. ولم تنته المباراة بتعادل سلبي بارد، بل شهدنا تقلب حظوظ الفريقين مدة 120 دقيقة، قبل أن تحسم ركلات الجزاء الفائز من الحائز على المركز الثاني.
نقول لأمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني: لقد أحسنت أداءً، ورفعت رأس كل عربي... ولم يكن ميسّي ولا إمبابي وحدهما نجمي المسابقة الكروية في مونديال قطر، بل النجم الحقيقي هو الشيخ تميم وحكومته والمنظّمون الذين عملوا بإخلاصٍ لإخراج هذه النسخة من مسابقة كأس العالم على أفضل وجه، فجاءت لتكون أحسن مسابقة في تاريخ كأس العالم، بإمضاء الشيخ تميم وشعب قطر ومؤسّساته.
انفضّ السامر الكروي، وعاد الناس والفرق إلى أوطانهم، وحالهم حال مكّة المكرمة بعد انقضاء الحجيج، متذكّراً بيت الشعر الذي ورد في قصيدة مضاض بن عمرو الجرهمي:
كأنْ لم يَكُنْ بَيْنَ الحُجُونِ إلى الصّفا
أنِيسٌ، وَلَمْ يَسْمُرْ بِمَكّةَ سَامِرُ
السؤال الذي يثور بعد هذا كله: إذا كان عند العرب كل هذه القوة الناعمة القادرة على تحدّي العالم، والخروج منتصرين ومعترفاً لهم بالفضل والإتقان والتنظيم الدقيق، فلماذا لا تنتقل هذه الروح إلى كل أعمالنا؟ وفي وقتٍ استرجعت فيه دولة قطر احتراماً دولياً للعرب، إلا أننا ما نزال نحتار في الذي يجري في كثير من أقطار العرب، من الصومال إلى اليمن، ومن تونس إلى السودان وليبيا، ومن لبنان إلى سورية والعراق.
وما يزيدنا حيرة أداء الفريق السعودي المتميز أمام الأرجنتين في المباراة الأولى لكل منهما، حين انتصر الفريق السعودي على الفريق الأرجنتيني الذي كسب كأس العالم 2022 في نهاية الأمر. وتحيتنا إلى فريق المغرب الذي أبلى بلاء حسناً، وجلب الكثير من الاحترام للقدرات العربية إعداداً وتدريباً وتسجيلاً لانتصارات أمام فرق مشهود لها مثل بلجيكا وإسبانيا والبرتغال.
هذه القوة الناعمة نريدها أن تعمّ كل أرجاء الوطن العربي، لكي يتمكّن من مواجهة مشكلاته، والسموّ عليها، والانطلاق إلى مستقبل أكثر وعداً وأقل وعيداً.
مدار الساعة (العربي الجديد) ـ نشر في 2022/12/22 الساعة 11:16