...ابلغ كلام في الأردن هو الذي صدر من والدة الشهيد عبدالرزاق الدلابيح...
اعرف أني تأخرت في الكتابة عنها, ولكني تركت الكل يكتب...عل احدهم يلتقط تلك اللحظة لكنه لم يلتقطها....والدة عبدالرزاق هي التعبير الحقيقي عن الأردن, هي الدولة...لو أنها ضربت على كتفها لحظة تشييع الشهيد وقالت: نحن الدولة..لصمت وقلت نعم هي الدولة, لأن عيونها هوية..ووجهها عاصمة, وكفها الحاني جيش من الرضا والوفاء.والدة الشهيد عبدالرزاق, لا تعرف المؤتمرات التي تعقد في فنادق الخمس نجوم, ولا تجيد الإنجليزية..ولا تعرف معنى الجندر, وليست عضوة في الاتحادات النسائية...وليست ناشطة في مجال الحياة السياسية, ولا تعرف معنى الحوار النسوي الأورو متوسطي.....لكنها من حزب الرضا, من حزب العجين التي تخمر في الصباح من أجل الخبزة الأولى, من جمعيات الايات التي تتلى في المساء وبعدها ترفع الأكف الضارعات لله..من أجل سلامة الأولاد ومن أجل الرزق الحلال...والدة عبدالرزاق من أنصار نسمات الصباح العليلة في الكفير, التي تمر على الوجه في ال?باح..وترمي عليه بعض الندى, وحين تقف يصعد التراب لقدمها...كي يترفق بأم الشهيد, وحين تأكل الخبز...كأن السماء وحدها تبلله بالزيت, كي يكون رطبا في فمها.علقوا لها صورة على مدخل البرلمان, ومدخل رئاسة الوزراء..وعلقوا صورة أخرى على مدخل عمان أيضا, أما قلوبنا فاتركوها لأن تلك السيدة معلقة في أول الشريان....هل قلت الحوار الاورو متوسطي النسوي ؟...أم عبدالرزاق لا تنتج حواراتها في الفنادق الراقية وباللغة الفرنسية, بل تنتج حوار الرصاص..فقد أرسل رحمها للجنوب أسدا, استشهد وهو على رأس عمله, لم يتخاذل ولم يفر...ولو أن المجرم لم يغدر, لعلمه عبدالرزاق, ماذا يعني الوفاء لرحم الأم..,ماذا يعني أن تولد من فتية يحملون اسم (بني حسن), وماذا يعني أن تتربى على صخور (الكفير)..وماذا يعني أن ترد الطلقة الغادرة....وماذا يعني أن تكون وفيا لمبادئ الجندية وللبنادق وللحياة والتراب.أم عبدالرزاق الدلابيح...هي الأردن الحقيقي, الأردن الذي خلقت الأرحام فيه بمواصفات مختلفة, خلقت الأرحام فيه..كي تنتج رجالا مثل الصوان, وكي تكون سمرتهم انعكاسا لليل في مدننا..ولكي تكون أكفهم رأس الرمح, ووجوهم.....شهادة في الرجولة والإيثار والتضحية, وأعينهم...لا ترى سوى الخير والحياة, ولا تعرف البغضاء والنكران والإجحاف.شكرا لك يا سيدتي...شكرا بحجم العالم, شكرا للشيبات الجميلات..للصوت الحنون الحزين وللوجه الذي يشبه القمر, شكرا لك فنحن لم نكن نشاهد امرأة تودع ولدها حين جلست عند الجثمان المسجى..بل شاهدنا الأردن, شاهدنا وطنا يقرأ الشعر ويذرف دمعة حرى....شاهدنا قمرا نزل إلى الأرض, وشاهدنا الهوية..نعم شاهدنا الهوية التي حاولوا طمسها, إلا أن دم الشهداء استرجعها عنوة فينا.