يُفترض أن الأوضاع الاقتصادية تشكل أخطر التحديات التي تواجه الأردن، وأكثرها تعقيدًا وانعكاسًا على الاستقرار الاجتماعي والسكاني، والأمني ومن ثم الاستقرار السياسي، والقدرة على التحمل الطويل في أوقات الأزمات كما ظهر في أثناء أزمة فيروس كورونا، خاصة بعد استمرار تآكل قدرة المواطن الأردني على الشراء، مما يفرض على كل القوى الحية في وطننا أن تستنفر قواها، للمساهمة في مواجهة هذا التحدي، من خلال المساهمة في وضع الأزمة الاقتصادية في إطارها الصحيح، من حيث أنها ليست مسؤولية طرف واحد، لكنها مسؤولية جماعية تقع على عاتق كل?فرد أو جماعة أو مؤسسة، وهي أيضاً ليست قضية أرقام فقط، ولكنها أيضاً قضية قيم ومفاهيم، لأن جزءاً كبيراً من أزمتنا الاقتصادية ناجم عن مفاهيم وسلوكيات، فقد صارت سلوكيات مجتمعنا تتسم بالطابع الاستهلاكي المدمر، الأمر الذي يستدعي أن تولى كل خطة لإصلاح الاقتصاد الأردني الجانب القيمي اهتماماً كبيراً، بهدف إعادة مفهوم القناعة والعفاف الى سلوكنا كأفراد وكمجتمع من جهة، وبهدف إحلال ثقافة الإنتاجية محل ثقافة الاستهلاك التي سيطرت على مكونات حياتنا من جهة أخرى، لأنه بسبب هذا الاختلال في معادلة الإنتاج والاستهلاك لمصلحة الاستهلاك في مجتمعنا صرنا نهدر اوقاتنا بلا طائل، وصرنا نهدر مواردنا الطبيعية المحدودة أصلاً بلا تخطيط سليم.
وفي جانب المفاهيم والقناعات أيضاً لابد من الاعتراف بأن من أسباب خطورة التحدي الاقتصادي الذي يواجهه بلدنا غياب الشفافية، ما أدى إلى ربط الوضع الاقتصادي في أذهان الأردنيين بالفساد والرشوة والمحسوبية من جهة، وبسوء الإدارة وفشل التخطيط من جهة ثانية، وبفقدان الثقة بالوعود الحكومية وبجدية الحكومات في التصدي لمعالجة الأوضاع الاقتصادية، خاصة في ظل ما يتحدث عنه الناس من بذخ الحكومات كالإنفاق على الديكورات والأثاث واستبدال السيارات الحكومية. وسوء استعمال السيارات وقبل ذلك سياسة التوظيف بعقود تصرف بموجبها رواتب كبيرة?للمحاسيب، بالإضافة إلى فواتير الهواتف النقالة، كذلك السفر والمياومات خاصة لكبار رجال الدولة والمسؤولين فيها، إلى غير ذلك من مظاهر البذخ غير المبرر لدولة محدودة الموارد من جهة ثالثة. لذلك فإنه من المهم أن تقدم الحكومة نموذجاً يقتدى في سلوكها الاقتصادي، لبناء ثقة المواطنين ببرامجها وخططها للإصلاح الاقتصادي. وهو الأمر الذي ينسحب أيضاً على المؤسسات الأهلية، ومؤسسات القطاع الخاص، التي تنفق على سفريات أعضاء مجالس إدارتها وعلى الحفلات أكثر بكثير مما تنفقه على تطوير قطاعاتها، خاصة لنواحي التدريب والتأهيل.bilal.tall@yahoo.com