اخبار الاردن اقتصاديات دوليات جامعات وفيات برلمانيات احزاب وظائف للاردنيين رياضة أسرار و مجالس مقالات مختارة مقالات تبليغات قضائية مناسبات جاهات واعراس مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة كاريكاتير رفوف المكتبات طقس اليوم

‏أربعة دروس من أزمة الإضراب


حسين الرواشدة

‏أربعة دروس من أزمة الإضراب

مدار الساعة (الدستور) ـ نشر في 2022/12/19 الساعة 01:31
الأزمة، أي أزمة، مدرسة يمكن أن نجلس في صفوفها كتلاميذ، لنتعلم فيها الدروس، ويمكن، أيضا، أن نقفز من شبابيكها لنهرب من مواجهة اسئلتها وامتحاناتها الصعبة، مهمة الكاتب، هنا، أن يدقق بما حدث في واقعة الاضرابات الاخيرة، وأن يتعامل معها بمنطق الكشف والتحليل، لا بمنطق القبول أو الإدانة، أو إصدار الأحكام على أي طرف.
أشير إلى أربعة دروس كانت لافتة، أضعها بين يدي القارئ الكريم، الأول : حضور القبيلة، فبعد 100 عام على تأسيس الدولة يطرح مثل هذا الحضور أسئلة متعددة، لابد من الإجابة عنها، أبرزها سؤال العلاقة بين الدولة والقبيلة، وفيما إذا كانت الثانية ملأت فراغ غياب الأولى، صحيح ان حضور القبيلة كان مفهوما باعتباره جزءا من تاريخ حركة المجتمع، خاصة عند الأزمات، لكن ما حدث في هذه الأزمة تجاوز المألوف، فقد بدأ الحدث باسم القبيلة، وحين وقعت جريمة الاعتداء على الشهيد عبدالرزاق الدلابيح (رحمه الله) جاء الرد القوي والحكيم من القبيلة، ثم حين انسدت الأبواب، وتعمقت الأزمة اكثر، لم نسمع إلا صوت القبيلة.
اما الدرس الثاني، فهو هشاشة الوسائط الاجتماعية والسياسية المفترض أن تمثل الجسر بين الدولة والمجتمع، معظم هذه الوسائط التي تم الاستثمار فيها، من خلال التعيينات والامتيازات والحظوات، تبين أنها مقطوعة العلاقة مع حواضنها الاجتماعية، وليس لديها أي قدرة على التأثير، او عقلنة الغضب الشعبي، غياب الأحزاب كان واضحا ومعروفا، لكن غياب الروافع السياسية (لكي لا أقول رجال الدولة ) كان صادما، هؤلاء يختفون تماما عند الأزمات، ويختارون الصمت لكي لا تحسب عليهم مواقفهم، وبحكمة متاخرة يمكن أن يقرروا انحيازهم بعد انكشاف معادلة الربح والخسارة.
الدرس الثالث: مقابل هشاشة اغلبية النخب والوسائط السياسية، مازال الأردنيون يتمتعون بقدر عال من العافية والحكمة، والوطنية العالية، صحيح داخل المجتمع يوجد أزمة واحتقانات وحالة من اليأس، وفجوة ثقة تتسع مع مؤسسات الدولة، ويوجد هواجس ومصالح تبدو أحيانا متضاربة، لكن الأهم من ذلك أن فرصة الاستثمار في وعي المجتمع وحيويته وعقلانيته متاحة تماما، لو أراد المسؤولون ذلك، وهي فرصة ثمينة لتجاوز هذه الأزمة وغيرها، فصورة الأردنيين، كما عكست تفاصيل الإضراب، وما جرى بعده من تداعيات، تؤكد أن معدن الأردنيين أصيل، ونخوتهم حاضرة، وانتماءهم لبلدهم غير قابل للمزاودة، المشكلة أن البعض لا يريد أن يلتقط ذلك، بل ويفعل عكس ما هو مطلوب.
الدرس الرابع : إدارة الأزمة تشبه تماما إدارة الدولة، أو هي صورة مصغره عنها، المقاربة هنا بين ما فعلنا على امتداد السنوات الماضية في إدارة الشأن العام، وبين ما فعلنا خلال الأسبوعين المنصرفين في إدارة الإضراب واجبة وضرورية، لكي نفهم ونصحح مساراتنا، لا أريد أن استعرض أين أخطأنا ؟ هذا يعرفه الجميع، أريد أن أقول، فقط : لابد أن نراجع كل ما فعلنا بأنفسنا وبلدنا، وإلا فإننا سنراكم أخطاءنا، ونعجز في لحظة حرجة عن مواجهة مشكلاتنا وأزماتنا، وعندئذ سنصطدم، لا سمح الله، بالجدار.
مدار الساعة (الدستور) ـ نشر في 2022/12/19 الساعة 01:31