صديقي الذي اسميناه " الزئبق ابو العُرّيف".. كان مِن اسرع مَن يعطي الحلول والافكار والاقتراحات لاي أمر..
فعندما يقول احدهم كيف استطيع ان اصنع الشيء الفلاني.. فيكون الزئبق ابو العُرّيف اول واسبق من يتنطح لاعطاء المشورة.. وينهيها بجملة "واذا ما زبطت.. اعتبرني ما بفهم اشي"..طبعا بعد ان يتكبد الرجل خسائر مادية.. وضياع للجهد والوقت.. يرجع بالعتب لابي العُرّيف الزئبق.. فيرد عليه "خلاص.. انا طلعت ما بفهم".. وللاسف ينتهي الطابق على هذه الجملة.. ويتحمل السائل الخسارة..طبعا امثال الزئبق ابو العُرّيف كثر.. والمصيبة ان كان على شكل مسؤول او لجنة.. ولانه لا وجود لحسيب او رقيب او عقود واضحة.. فسيبقى ابو العُرّيف ولجان ابو العُرّيف تتسلى على المعارف والاصداق والمؤسسات وخزينة الدولة..ان اهم اساسيات علم الادارة.. هو وجود مقاييس للاداء.. ومربوط ومتلازم معها مبدأ الثواب والعقاب المعتمد على الشفافية والحوكمة الواضحة..فكيف لنا ان نعلم ان اي شخص او قسم او دائرة او حتى مؤسسة.. تسير مشاريعهم وخططهم بالشكل الصحيح.. مالم توجد مقاييس اداء واضحة.. بمراحل واحداث قابلة للقياس؟!..شاهدت بام عيني قبل ما يزيد عن خمسة عشرة عام.. في احدى الدول وجود شاشة كبيرة موضوعة عند كل مشروع حكومي.. يظهر عليها اسم المشروع.. والجهة الحكومية صاحبة المشروع.. والشركة المنفذة.. وتاريخ البدء وتاريخ الانتهاء.. وعداد يعد تنازليا عدد الايام المتبقية للمشروع.. والمراحل ونسب الانجاز منها..فيستطيع كل مواطن ان يراقب الاداء لذلك المشروع.. ومن باب اولى يستطيع المراقبون الرسميون معرفة مسيرة المشاريع..للاسف الشديد.. ما نلمسه ونراه في اردننا الغالي هو عكس ذلك تماما..فالعبارات المطاطة التي يستخدمها كثير من المسؤولين.. تجعلنا واثقين تمام الثقة بان الحالة الزئبقية هي السائدة.. وهي التي ستحكم مسار اي خطط او مشاريع..فعلى سبيل المثال لا الحصر.. المسؤول الذي يطلق عبارة كهاذه "إن المستقبل الذي نصبو إليه بات وشيكاً وعلى الأبواب.. إذا أحسنَّا جميعاً استثمار هذا الواقع الجديد"..استحلفك بالله هل انت مقتنع بهكذا عبارة؟!.. او هل من طريقة لمعرفة اية ابواب.. وكم المسافة بين ذلك المستقبل وبين الابواب؟!.. ومن الذي سيقرع الابواب حتى يتم فتحها؟!.. وما هي سمات الواقع الجديد حتى نحسن استغلاله؟!.. وما هي الطريقة والقواعد التي ستمكننا من استغلاله بالشكل الامثل؟!..وعندما اتمنى من الله ان لا افارق هذه الدنيا الا بعد ان ارى مقاييس اداء واضحة في كل مشاريع وخطابات ووعود حكوماتنا.. يقول لي اصدقائي.. اذا الله بيستجيبلك.. رايح تعيش مثل سيدنا نوح..
خطابات ووعود لا يحكمها مقاييس اداء.. هي حبر على ورق
مدار الساعة ـ