لو دعوت لثورة حكومية معلنة ضد سياساتها في ديوان الخدمة المدنية، فلن تكون دعوتي غير سياسية أو غير مشروعة، فأنا وكثيرون غيري، حين يتعمقون بالرؤية إلى خمس سنوات قادمة مع سياسات التعيين المتبعة حاليا بديوان الخدمة المدنية، لا بد سنقتنع جميعا بأننا نصنع مشكلة كبيرة تواجه الدولة والمجتمع، ولا يحتاج الموضوع الا لحسبة بسيطة:
لدينا أكثر من نصف مليون باحث عن وظيفة عاطل عن العمل، من حملة الشهادات الجامعية، يضاف إليهم سنويا ما لا يقل عن 50 ألف خريج جديد، وهو رقم مضاف لصفوف البطالة، وسياسة التعيين قد تكون مبررة رقميا، حين تقتصر على تعيين 7 آلاف شخص سنويا، لكن أين سيذهب البقية، وارقام البطالة تتزايد؟.كان وما زال هناك حاجة ماسة لترشيق القطاع العام، وإجراء إصلاحات إدارية، وإيجاد تشريعات جديدة أو التعديل على القديمة، وهي سياسة مطلوبة من الدولة ومن أي حكومة تتعايش مع حقائق المديونية وفاتورة الطاقة والمشاريع المتعلقة بالبنية التحتية والخدمات.. كل الكلام صحيح، لكن أيضا ارتفاع حجم البطالة ليلامس المليون بعد 5 سنوات، هي أيضا حقيقة صعبة، وتأثيرها على المجتمع والدولة ليس بالقليل، حين يكون هناك مليون خريج جامعي لا يجدون وظيفة ولا مصدر دخل !.من هنا أعتبر أن قيام الحكومة بإقرار استثناءات لتعيين رقم محدود جدا على الحالات الإنسانية، قرار شجاع ووطني وفيه جانب اجتماعي لا يستهان به، سيكون له الأثر الطيب على الناس المحتاجين لوظيفة، بعد أن امتلأت بيوتهم بأبناء وبنات حصلوا على شهادات جامعية وبذلوا مالا وجهدا وتعلقوا بأمل طبيعي لفرصة طبيعية، لكنهم اصطدموا بواقع سيئ، وما زالوا محض صبر وانتظار..هذا القرار الحكومي الجريء، يحتاج إلى قوننة ومأسسة، فالحالة التي دفعت الحكومة لإقرار هذا الاستثناء، تحتاج فعلا من الحكومة وكل المؤسسات النظر بعين الرحمة لبعض النماذج من العاطلين عن العمل، ومن هنا يمكن اقتراح التوسع في حصة الحالات الإنسانية من التعيينات، فالعائلة التي بين أبنائها 4 أو 5 أو أكثر من خريجي الجامعات ولا يعملون، وضعها «كارثي» بكل المقاييس، وتحتاج لحالة خاصة في أي قانون يتعلق بالتعيين .. حيث إن سياسة التعيين على الحالات الانسانية المعمول بها الآن، وحسب علمي المتواضع، اعطاء تعيين واحد على الحالات الانسانية بين كل خمس تعيينات جديدة، وهذه معادلة تحتاج إلى «تعديل»، ولو بشكل مؤقت.أما عن الشجاعة الحكومية الأخرى المطلوبة، فهي تتعلق بالاختبارات والمقابلات التي يعتمدها ديوان الخدمة المدنية لاختيار مرشحين للوظائف، فهي حالة من السياسات «المثالية» جدا، والتي تنتهجها الشركات المحترمة، التي تريد موظفا كفؤا في مواردها البشرية، وهذا حقها وحق القطاع الخاص كله، لكنه قاس على الناس حين يتم اعتماده في تعيينات القطاع العام وفي هذه الظروف الصعبة، ولا أقول بأننا لا يهمنا أن يكون الموظف كفؤا يتمتع بكامل الأهلية لإشغال الوظيفة، بل على العكس نطالب بهذا، لكن ليس على حساب مستقبل المواطن، الذي تلقى تعليما في مؤسسات تعليم اردنية، وبذل ما بذل ليحوز على الشهادة، فهو ليس ذنبه أن برامج التدريس الجامعية غير كافية للظفر بالوظيفة، وهذا دور يجب أن يناط بالحكومة وسائر مؤسسات القطاع العام، حيث يجب أن يكون التعيين على الأقدمية، ثم يجري تأهيل الموظف، وتزويده بكل المهارات المطلوبة في الوظيفة، وهذا إجراء يعتبر أقل كلفة «سياسيا واجتماعيا» على الدولة، فحرمان شاب أو فتاة من الوظيفة بدعوى عدم النجاح بالامتحان التنافسي والمقابلة الشخصية، وتركه بلا وظيفة حتى يبلغ الثلاثين والاربعين والخمسين، هو حكم عليه بالموت وفقدان أي أمل بحياة طبيعية..نريد موقفا شجاعا آخر من «الحارس» بشر الخصاونة، افعلها وما عليك فالناس معك.
شجاعة حكومية مطلوبة
مدار الساعة (الدستور) ـ