انتخابات نواب الأردن 2024 اخبار الاردن اقتصاديات دوليات جامعات وفيات برلمانيات وظائف للاردنيين احزاب رياضة أسرار و مجالس تبليغات قضائية مقالات مختارة مقالات جاهات واعراس مناسبات مجتمع دين ثقافة اخبار خفيفة سياحة الأسرة كاريكاتير طقس اليوم رفوف المكتبات

ما علاقة هذه الجنازة بـ حزب الحزن


عبدالهادي راجي المجالي
abdelhadi18@yahoo.com

ما علاقة هذه الجنازة بـ حزب الحزن

مدار الساعة (الرأي) ـ نشر في 2022/12/06 الساعة 02:51
الناس تستضيفك في منازلها, في المقاهي.. في منتدى للشعر مثلا, تستضيفك في مؤتمر ما.. ولكن هل شاهدتم دعوة على مقبرة؟
كل ما في الأمر أني كنت في الجنوب أمس, انتظر صديقا بجانب سور المقبرة.. عند مدخل بلدتنا، ولأنه سيأتي من عمان خفت أن يتوه في الطرق, فاخترت المدخل وبمحاذاة سور المقبرة مكانا للانتظار... كانت المسافة طويلة وعرفت أنه سيحتاج ربما لنصف ساعة, فدخلت كي اقرأ الفاتحة على قبر أمي وأبي.
جاءت جنازة عند المدخل، وظنوا أني من المشيعين... كانوا ( 5) رجال فقط... والد المتوفى وقد عرفته فيما بعد, وجار لهم والأعمام, والميت طفلة لم تتجاوز السادسة من العمر, ولم يكن هنالك سيارة للإسعاف فقد أحضروها في (بكم)... وأنا بصراحة شممت رائحة الكفن لحظة أن حملوها وسرت خلفهم, الرائحة هي (لكالونيا) صينية ثمنها (دينار) وتباع في أسواق المؤسسة الاستهلاكية المدنية..
وقفنا بجانب القبر, وأزلنا الغطاء عنها.. وحملها الوالد كي تسجى في مرقدها الأخير, يا لنزف كبدي لحظتها حتى الكفن لم يلف بالشكل الصحيح... وقد برز طرف قدمها، كان نحيلا جدا مثل عود القصب, أو مثل الخيزران.. وشعرت به في كبدي.. يفتح بابا للنزف لا يهدأ... داست بقدمها على كبدي وهي ميتة.
رفقا بها يا سيدي تمهل ولو قليلا - قلت لوالدها -, وطلبت منه أن يقوم بلزها على طرف القبر من الداخل, وأن يفك الكفن بهدوء ونبهته على أن القطن سقط من أنفها... أعده يا سيدي أعده لأنفها الجميل - قلت له -... وتأملت في الوجه قليلا، تأملت واكتشفت أن الدمع قد جف على وجنتيها وترك أثره, يبدو أنها شهقت الأنفاس الأخيرة وهي تبكي... لأن الدمع حين جف ترك بقايا الملح على الوجنتين.. كان يلمع مثل نهرين, أو مثل نجمتين.. وأنا كبدي كان يزيد نزفه..
حين انهينا الدفن سألتهم, وتبين لي أنها ولدت مريضة.. وأنها عانت, ولم تذهب للمدرسة, وحين اشتد بها المرض, غادرت الحياة برفق.. كانوا يعرفون أنها ستموت, أخبرني أهلها بذلك...
قبلتهم جميعا وغادرت أمشي على نزفي, هل هذا قدري؟ وكلما عدت للكرك الحبيبة أن أمشي على النزف؟... ماذا لو عطروها بعطر فرنسي أجمل, ماذا لو حملتها بين يدي, ماذا لو أقمنا لها جنازة.. وحملناها على هدب الشماغ بدلا من التابوت؟ .
في الجنوب الحاني وحده، ترصف الطرق على نزف الكبد..
حاولت الانتماء للأحزاب القديمة وفشلت, وحاولت مع الأحزاب الجديدة وفشلت.. يبدو أنني لن اتحرر من حزب الحزن, الذي انتمينا إليه في بواكير العمر.. وسنموت على معتقد الحزن ومبادئ الحزن وأفكار الحزن... نحن كوادر حزب (الحزن).
abdelhadi18@yahoo.com
مدار الساعة (الرأي) ـ نشر في 2022/12/06 الساعة 02:51