في مسعى لترشيح نفسه لولاية ثانية (إن لم يُواجه تمرّداً داخل الحزب الديمقراطي)، دخل الرئيس الأميركي/بايدن، شخصياً وفي شكل غير مسبوق على خط استمالة اللوبي اليهودي الصهيوني, واسع النفوذ والتأثير في الولايات المتحدة. واختارَ عن قصد اسطوانة "معاداة السامية"، التي تلجأ إليها الحركة الصهيونية, كلما شعرت أن خطراً "ولو ضئيلاً" يتهدّد التأثير اليهودي في المجتمعات الأوروبية/ وخصوصاً الأميركية, وهي عادة ما تستخدم اقوى سلاحيْن لها لابتزاز السياسيين ورجال الفِكر والمُؤرخين والصحافيين ودور النشر, وصولاً الى المنظمات الدولية مثل الامم المتحدة واليونسكو، لتشويه السُمعة واغتيالهم معنوياً وسياسياً, على النحو الذي شاهدناه في حال أمين عام الأمم المتحدة الأسبق والرئيس النمساوي الراحل كورت فالدهايم.. (باعتباره مُجنّداً سابقاً في الجيش الألماني (1942-1945 إبان حُكم هتلر ووصوله رتبة مُلازم).
"سِلاحان فاتِكان" هما: مُعاداة السامية وإنكار الهولوكوست، وهو ما استغلّه هذه الأيام الرئيس بايدن, للتشهير بمنافِسه المُحتمل وسلفه في المنصب الرئاسي دونالد ترمب. مُتهماً الأخير بأنه التقى واستضاف فريقاً من "مُنكري" الهولوكوست, داعياً في وعظ زائف يرتقي إلى مرتبة النفاق والانتهازية, "المسؤولين في بلاده إلى التنديد علَناً بمعاداة السامية".تصريحات بايدن جاءت بعد أيام معدودات من لقاء الرئيس السابق/ترمب في مقر اقامته في فلوريدا, "إعلامياً" معروفاً بإنكار محرقة اليهود في الحرب العالمية الثانية. كذلك مغني الراب كانييه ويست الذي اشاد بأدولف هتلر". وقد شكل لقاؤه بالشخصِيتيْن "الإعلامي والمغني"، فرصة ثمينة ليس فقط للرئيس بايدن الذي لم يتوقّف ذات يوم ومنذ انخراطه المبكر في الحلبة السياسية, عن دعم إسرائيل وإبداء الإعجاب بها, بل والتفاخر بكونه صهيونيا (رغم أنه غير يهودي كما كرّر مِراراً) فضلاً عن قوله مؤخراً عند استقباله رئيس الكيان الصهيوني اسحق هيرتسوغ: "لو لم تكُن إسرائيل موجودة لكان علينا إختراعها".ليس بايدن وحده من استغل هذه الفرصة التي وفرها له ترمب، بل الشخصيات واللوبيات اليهودية والصهيونية والمؤسسات الإعلامية النافذة على الساحة الأميركية. حيث انبرى هؤلاء للزعم: إن تزايداً يحدث في انتشار خطاب معاداة السامية, الذي تتبنّاه بشكل مُتزايد "شريحة" من المؤمنين بتفوّق العِرق الأبيض – مُضيفة تلك الأوساط – أن ذلك "التزايد" اكتسب قوة في عهد الرئيس السابق ترمب".. في إيحاء بل اتهام واضح لترمب بأنه معاد للسامية, رغم كل ما قدمه من دعم سياسي ودبلوماسي غير مسبوق في التاريخ الأميركي, سواء في شأن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل (والجولان السوري المُحتل جزءاً منها) أم نقل السفارة الأميركية للقدس والإسهام في رعاية ودعم اتفاقات إبراهام، فضلاً عن كون صهره كوشنر يهودياً وتحوّل ابنته ايفانكا إلى اليهودية.لم يتوقف بايدن عند ذلك التصريح، بل ذهب مُغرِّداً عبر منصة تويتر "أودُّ أن أُوضِح بعض الأمور: الهولوكوست حدث بالفعل، هتلر كان شخصاً شريراً، مُضيفاً.. بدلاً من منح معاداة السامية منصة، يجب على سياسيّينا أن يُندّدوا بها عَلناً أينما وُجِدت".. مُختَتِماً تغريدته بالقول: "السكوت تواطؤ".علماً أن البيت الأبيض كان أدان في وقت سابق "ترمب" لاستقباله مغني الراب ويست، والإعلامي فوينتيس في مقر إقامته بفلوريدا الأسبوع الماضي، رغم انه/ترمب كان أعلنَ أن مُغني الراب أحضرَ معه أيضاً بعضاً من أصدقائه "غير المدّعُوين", بينهم الإعلامي/ فوينيتس المعروف بآرائه العنصرية.ثمة قُطبة مّخفِية من وراء هذه الحملة التي انخرط فيها بايدن, ووجدتها الدوائر الصهيونية واليهودية فرصة لإرهاب المنتقدين لهيمنة اللوبيات اليهودية والصهيونية. ومُلخّصها "تخوّف" هؤلاء من انتشار "خطاب الكراهية لليهود", بعد قرار آيلون ماسك "الحدّ" من التدخّل في "إدارة محتوى"منصة تويتر، منذ استحوذ عليها في الشهر الماضي.لم تتردد والحال هذه "رابطة مكافحة التشهير اليهودية" من نشر بيانات يوم الجمعة 2/12 تزعم "احتمال" وجود أساس لتلك المخاوف. فقد ازدادت التغريدات المعادية للسامية التي تشير إلى اليهود واليهودية أكثر من 60 في المئة, في الأسبوعين اللذيْن أعقبا استحواذ ماسك على "تويتر"، بموازاة ازدياد خطاب الكراهية بشكل عام. كما تدّعي تلك الرابطة التي لا تتوقف عن تشويه سمعة مَن "يجرؤ على الكلام".