ثمة موشرات على أن التوتر بين المعسكر الغربي وروسيا آخذ في التصاعد، على نحو ينذر بمفاجآت في المديين القريب والمتوسط، بعد ان أوشكت العلاقات الأميركية خصوصاً والفرنسية الألمانية مع روسيا عى الوصول الى حال من القطيعة. بكل ما يترتّب من انعكاسات على المشهد العسكري. إذ لم يعد بمقدور واشنطن كما الإتحاد الأوروبي وخصوصاً حلف الناتو، مواصلة الزعم بأنه لن يشارك في الحرب الدائرة الآن، بعدما وصل دعمه العسكري بسخاء ذروته (دع عنك المالي واللوجستي والإستخباري, والإنخراط المباشر في غرف العمليات الميدانية على جبهات القتال)، فضلاً عمّا يُتوقّع وصوله من تزويد أميركي/وناتوي لأوكرانيا بمنظومات دفاع جوّي متطوّرة, مثل منظومة باتريوت وأخرى بريطانية (وصلت بالفعل) وثالثة ألمانية. وإن كانت برلين أبدت بعض التردّد, في الإستجابة لطلب بولندا تزويد أوكرانيا بـ «طلبية» كانت تعاقدت على شرائها من قبل.
ما يُروّج عن استعداد الرئيس الأميركي/بايدن للإلتقاء بالرئيس الروسي/بوتين, لبحث إنهاء الحرب الدائرة الآن في أوكرانيا. يبدو ضرباً من التذاكي, الذي يستبطِن عدم الجدية والأقرب الى الدعاية, منه الى بحث جاد وحقيقي عن مخرج لحرب متدحرجة, لا يلوح في الأفق أنها قريبة من الإنتهاء. بل ثمّة مؤشرات على أن الإنزلاق الى حرب نووية أو انخراط مزيد من الدول فيها لم يعد مُستبعداً، خاصة بعد فشَل المعسكر الغربي بأطرافه وتشكيلاته وتحالفاته المختلفة في عزل روسيا أو دفع اقتصادها للإنهيار, أم خصوصاً في هزيمتها عسكرية وتمكين الجيش الأُوكراني من دحر وإذلال الجيش الروسي, على ما دأب وزير الدفاع الأميركي وجنرالات البنتاغون ومجموعة G7 والإتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي/ الناتو, فضلاً عمّا واظب الرئس الأوكراني/زيلينسكي وأركان حكومته التبشير بـ"إقتراب» حدوثه.من هنا يبدو رفض الكرملين «شروط» بايدن منطقياً, إذ ان بايدن يروم قيام موسكو بإعلان استسلامها, ورفع الرايات البيض على جدار الكرملين وشبه جزيرة القرم. بعد عشرة أشهر من القتال. وخصوصاً بعد عام على رفض الولايات المتحدة خصوصاً وحلف الأطلسي والإتحاد الأوروبي تقديم ضمانات أمنِيّة لروسيا, وعدم توسّع الناتو باتجاه حدودها, التي باتت الآن شبه مطوقة بريّاً بقوات أطلسية, ما بالك بعد ان يتم رسمياً قبول السويد وفنلندا الى هذه الحلف الثلاثيني.زد على ذلك سعي الولايات المتحدة (الذي تكلّل بالنجاح كما يجب الإعتراف) بإفشال تطبيق اتفاقيتي مينسك في شأن اقليم دونباس, وتراجع فرنسا وألمانيا عن تعهداتهما بالضغط على كييف لتطبيقهما في إطار رباعية النورمادي, التي ضمّتهما الى جانب روسيا وأوكرانيا.اللافت ان «شروط» بايدن الإستعلائية في شأن إنسحاب روسيا من أوكرانيا، تزامنت (شروط بايدن) مع مسعى غربي تقوده الولايات المتحدة وألمانيا وخصوصاً فرنسا, لتشكيل «محكمة خاصّة لروسيا» بدعوى ارتكابها جرائم حرب في أوكرانيا. في تأكيد لم يعد يشكل مفاجاة على ازدواجية معايير المعسكر الغربي في تعاطيه مع الملفات الدولية, وبخاصّة تلك التي تخص الدول التي ترفض الهيمنة الأميركية, أو تُعارض سياستها أو تنادي بتطبيق ميثاق الأمم المتحدة وشرعة حقوق الإنسان. وهو ما تجلّى ويتجلّى في الإرتكابات والحروب خارج إطار الأمم المتحدة التي شنتها الولايات المتحدة, خصوصاً في يوغسلافيا كما العراق وسوريا وليبيا. إضافة للغطاء السياسي,الدبلوماسي والعسكري الذي توفّره واشنطن لإسرائيل, في حربها المفتوحة على الشعب الفلسطيني. ودائماً في الإزدراء الذي تُبديه واشنطن وتل ابيب لقرارات الأمم المتحدة إزاء جرائم اسرائيل في الإطار الفلسطينية المحتلة. بل دائماً في اعتبار الأراضي الفلسطينية المحتلة مناطق «مُتنازع عليها", لا تتسحب عليه قرارات الأمم المتحدة. دون ان نهمل في سياق آخر «القرار» الذي اتخذته مجموعة G7 ودول الإتحاد الأوروبي بوضع سقف سعري للنفط الروسي. وهو قرار غير مسبوق في غطرسته وعدوانيته, وخروجه على مألوف العلاقات الدولية. بل خصوصاً على قوانين السوق والتجارة الحرّة وضوابط العولمة. التي «فرضها» الغرب الإستعماري ورآى فيها ترجمة عملية على نجاح الرأسمالية وفشل الإشتراكية خاصّة بعد انهيار الإتحاد السوفياتي. والزعم بأن الهدف من وضع سقف لسعر البرميل الواحد من النفط الروسي بـ"60» دولارا, هو منع بوتين من تمويل آلته الحربية.وإذ لفتت الخارجية الروسية في معرض تعليقها على بيان الخارجية الفرنسية بشأن خطط إنشاء هذه المحكمة (الخاصّة بروسيا), الى ان المحاولة الحالية من قِبل الدول الغربية لإحداث آلية شبه قضائية، تبدو «غير مسبوقة في عدميتها القانونية, وهي مثال آخر على ممارسة الغرب المعايير المزدوجة»، فإن مُجرّد وصف موسكو بأن المحكمة الخاصّة «عصابة غربية» لن تكون لها صلاحية على روسيا. يعني من بين أمور أخرى, ان العلاقات الروسية الغربية سائرة نحو مزيد من التصعيد والمواجهة المفتوحة على اكثر من صعيد.kharroub@jpf.com.jo