المتابع للمشهد الديمقراطي العالمي، ورغم بعض التحفظات على بعض الديمقراطيات الزائفة التي أشبعت العالم أفكاراً في التحرر وحريات الرأي والتعبير وغيرها وبما لا يخصها ويتعلق بشؤونها طبعاً، إلا أننا لا ننكر وجود بعض الدول المتقدمة في المجال الديمقراطي والحريات وخاصة في أوروبا الغربية.
وما نلاحظه اليوم هو تأخر دول شرق أوروبا عن جهتها الغربية وبعض الدول فيها من ناحية المشاركة والتعددية السياسية السليمة والحريات. فكبيرة أوروبا الشرقية روسيا منذ العام 1999 وبعد تنحي الرئيس يلتسن تصدر المشهد الرئيس الروسي الحالي بوتين بمشاركة ضئيلة مع صديقه ميدفيديف لغاية اليوم، وبالوقت ذاته نرى أن بعض دول أوروبا الشرقية وخاصة الدول التي انشقت عن الاتحاد السوفييتي جغرافياً ولكنها فكرياً وأيديولوجيا ما زالت تحافظ على نفس المدرسة والعقلية، غالبها ما زال متمسكاً بذلك الاتحاد ويسير على نفس النهج. فأغلب الدول المقسمة حسب التقسيمات الجغرافية، كالبلطيق وآسيا الوسطى وأوروبا الشرقية وأوراسيا والقوقاز فإن أغلب الأنظمة الحاكمة فيها لا تجديد عليها، ومنها من هو مستمر في الحكم منذ انشقاقها عن الاتحاد السوفييتي، رغم إجراء انتخابات رئاسية تتميز بنسبة نجاح الرئيس والتي تعدت 90 بالمائة وتصل إلى أعلى من ذلك كما حصل في آخر نجاح للرئيس الكازاخستاني نور سلطان. فلو أخذنا مثال جمهورية كازاخستان وهي من الجمهوريات السوفييتية التي انشقت وأعلنت استقلالها وتفككها عن الاتحاد السوفييتي في العام 1991 تلك الدولة ذات الجغرافيا الضخمة، وتُعدّ تاسع أكبر دولة عالمياً من حيث المساحة، وهي دولة أوروآسيوية حيث تقع بين القارتين، وبالوقت ذاته تُعدّ دولة ذات اقتصاد قوي جداً وتملك ثروة نفطية مهولة. هذه المميزات وحسب رأي العديد من أفراد الشعب، لم تمنح كازاخستان لا مشاركة في الحكم، ولا تعددية حقة، والظاهر أنها لم تتقدم من حيث التنوع السياسي الديمقراطي، ولكن من الممكن أن تخرج هذه الدولة من دائرة الدولة المتخلفة سياسياً إلى الأكثر انفتاحاً وذلك بعد التعديلات الدستورية التي طرأت عليها بتحديد الفترة الرئاسية وتخفيضها إلى 5 سنوات ولمرة واحدة دون تجديد. شهد بداية هذا العام حركات ومظاهرات للشارع الكازاخستاني بسبب ارتفاع الأسعار وخاصة المشتقات النفطية، وكان من أبرز مطالبهم تحسين الأوضاع المعيشية والمشاركة الديمقراطية، مما حدا بالرئيس توكياف الذي جاء بعد تسليم السلطة والصلاحيات من الرئيس نور سلطان في العام 2019 بالإعلان عن انتخابات رئاسية مبكرة وهذا ما تم الأسبوع الماضي وفاز بها. في حال استمرار الدستور الحالي يُعدّ خطوة بالاتجاه السليم وبتحقيق تقدم في العملية الديمقراطية، وبتجديد النخب الحاكمة. والسؤال هنا: هل من الممكن أن تخطو باقي دول أوروبا الشرقية حذو كازاخستان للسير قدماً في التقدم السياسي الذي ترغب به شعوبها؟ أم أن هناك قوى إقليمية لا ترغب بهذا النهج وترغب في بقاء الشرقيين على ما هم عليه سياسياً؟.
ديمقراطية أوروبا الشرقية
مدار الساعة ـ