في عالمنا العربي، برزت القومية كاتجاه سياسي وايديولوجي مطلع القرن الماضي.. وكانت تمثل نهج الأحزاب التي تأسست في ذلك الوقت, القومية العربية.. كانت أيضا مصدر الهام حركات التحرر من الاستعمار, لكن شمسها خفتت قليلا ولم تخبُ..
بعد ذلك برز اليسار العربي, واتجه الشباب اليه كونه تماهى مع أحلامهم وانماط تفكيرهم.. ووجدوا في اليسار حالة ثقافية وسياسية واجتماعية وحالة أممية أيضا.. كان اليسار ملهما لهم وقد ظن البعض أنه الطريق الوحيد لتحرير الأرض, وتحرير الإنسان العربي...فيما بعد برز الإسلام السياسي، تسيد الإخوان المشهد.. وقد ظن البعض عبر شعار: (الإسلام هو الحل).. أن الحركات الإسلامية هي القادرة على تحقيق ما عجز عنه اليسار والأنظمة القومية، وأن الإسلام يمثل الطريق الصحيح ونجاة الأمة.. والإسلام كان كذلك وسيظل, لكن للأسف من صعدوا قيادات هذه التنظيمات, ربما أخطأوا في الحسابات..ثم ظهرت الليبرالية كمدرسة للسياسيين الجدد, وتعدد دعاتها.. وظهرت معها دعوات اقتصادية لتحرير القطاع العام، وانتهاج السياسة البريطانية التي اطلقتها (ثاتشر) حين خصخصت القطاع العام البريطاني.. ورافقها مشروع (الديجتال) وهؤلاء فئة من الناس يؤمنون بأن التحرر ونجاة الأوطان يبدأ بالانقلاب على القيم، لهذا عملوا على أن التغيرات الاقتصادية لن تنجح دون تأسيس أرضية اجتماعية تقبل هذا التغير، وتقبل أيضا انحسار مبدأ الدولة الأبوية..حركات كثيرة ظهرت في العالم العربي، بعضها نجح وبعضها فشل.. إلا أنها جميعا لم تصل للحالة القطرية..فيما بعد ظهرت القطرية (نسبة إلى قطر), وهي حالة غريبة.. ايديولوجيا مع دولة مع اقتصاد, ومع منهج.. كل ذلك تم دمجه في بعضه، وكانت الجزيرة أول مشروع إعلامي سياسي في المنطقة.. صهر في داخله الإسلامي مع اليساري مع الليبرالي.. وانتج رؤية جديدة في العالم العربي أو ايديولوجيا جديدة.. هي الأيديولوجيا القطرية..فيما بعد تمددت القطرية، بحيث انتجت أدوارا دبلوماسية في المنطقة, أدوارا في دعم أفغانستان واحتضان الأطراف المتصارعة فيها ورعاية الحوار الأميركي–الأفغاني.. بعد ذلك انتقلت لتقديم نفسها بصورة إسلامية حين منعت الشواذ من رفع اعلامهم في كأس العالم، وقدمت الإسلام بشكله الحضاري... وأكدت أن القطرية ليست دولة وإنما نموذج في الفكر والاقتصاد والسياسة يقبل التصدير.. ويؤثر في المحيط ويتأثر..في النهاية احتضنت قطر كأس العالم, وفرضت إيقاعها.. واستطاعت أن تفرض مشروعها العروبي والإسلامي على المونديال باسم احترام قيم الدولة وموروثاتها..العالم العربي بدأ بالقومية العربية, وانتهى بالقطرية.. وحين تحاكم المشروع القطري حقيقة, تكتشف أنه المشروع الوحيد من بين كل الأيديولوجيات التي مرت على عالمنا العربي.. المشروع الوحيد الذي وظف العقل ووظف المال ووظف الرياضة.. في خدمة قطر..القطرية ليست جنسية فقط.. من يعتقد ذلك حتما يقع في الخطأ, القطرية أيديولوجيا حضارية.. وثقافة عالمية, وإسلام معتدل يقبل الآخر ويتفاعل معه..نحن الآن وبعد انحسار الزمن القومي واليساري والليبرالي والإسلام السياسي.. نعيش الزمن القطري بكل تفاصيله, وتلك حقيقة يجب أن نقبلها بدون خجل.Abdelhadi18@yahoo.com