ليس المطلوب بالضرورة شنّ هجوم براجمات المقالات والتعليقات على المسؤولين السابقين بعد النقد الملكي لغيابهم عن المشاهد الوطنية الاخيرة واحتجابهم عن الظهور على وسائل الاعلام او الظهور في المحافل الاجتماعية والانتخابية القائمة حاليا لتوضيح موقف الدولة وركائزها العسكرية والامنية، فهذه اضعف الاستجابات للطرح الملكي وربما اغامر فأقول انه الاسهل دون انتاجية، فالنقد الملكي يفتح باب الاسئلة التحليلية عن اسباب واسرار هذا الغياب، فثمة اسباب للغياب وثمة اسرار والفرق شاسع بينهما واحاديث الملك واواقه النقاشية كانت تستهدف تفعيل الحوار والتحليل وليس التصفيق والتهليل .
اسرار الغياب واضحة ولا تحتاج الى عميق تحليل والى عبقرية زائدة، فهناك عتب بسبب الغياب او ترك المنصب فهذه الطبقة من المسؤولين تتعامل مع الدولة بنظام المياومة وهي تعترف بالسلطة اكثر من اعترافها بالدولة، فان جلست في حضن السلطة فالدولة مقبلة ومتفوقة ولسانها يلهج بالحمد والثناء وان خرجت من السلطة فالخراب اقترب والسواد سيد الالوان والمواقف هذا بالنسبة الى اصحاب الرؤى من المسؤولين السابقين الذين يمتلكون وعيا وحضورا نسبيا في الشارع، وهم يبحثون عن طريق الحرن السياسي والصمت الى مقايضة السلطة وابتزازها وسبق للسلطة ان تفاعلت مع هذه الطريقة حتى باتت طريقة منتجة للمناصب .
هلى حواف هذه الفئة ثمة مسؤولين جلسوا على مقاعد السلطة وفي حضنها لاعتبارات آخرها اعتبار الكفاءة والدراية، واغلبهم لا يعرف سبب جلوسه او سبب مغادرته فثمة استحقاقات مناطقية وجغرافية فرضت هذه الاسماء ناهيك عن علاقات النسب والمطبخ التي حققت لاتباعها مواقع في السلطة، وصمت هؤلاء تعبير حيّ عن واقعهم ومدى قدرتهم على التفاعل مع المأمول الملكي والشعبي واظنهم من خارج الفئة المستهدفة في النقد ولولا بركات وسائط البحث وتحديدا بركات الشيخ جوجل لما عرفنا مواقعهم والحكومات التي عبروها مثل عبور السهم في الطريدة .
الاشكالية التي تتطلب اجابات وتحليل عميق وربما على مساحة الوطن كله وليس على مساحة زاوية فقط وهذه دعوة الى منتدى الدستور العريق لفتح هذا الملف، هو غياب المسؤولين السابقين ورجالات الدولة ممن اعتزلوا المنصب او ممن حافظوا على صمتهم رغم وزنهم الوطني الهام وممن يمتلكون عقلا راجحا وموثوقية في التحليل وهم بالمناسبة كُثر وليسوا بقلة سواء من رؤساء الوزارات السابقين او رؤساء مجلس النواب ووزراء السيادة وغيرهم من اصحاب الحضور الاجتماعي الثقيل، فهل صمتهم كان تعبيرا عن غضب بسبب اهمال من السلطة في التواصل معهم فعاقبوا الدولة بالصمت ؟ ام ان تجاربهم السابقة ومحاولاتهم خلق بيئة سياسية حاضنة لماكينة الانتاج النخبوي مثل الاحزاب افقدتهم الثقة فلاذوا بالصمت ؟ وفي كل الاحوال صمتهم مدان، فاللحظة الوطنية تتطلب الوقوف ومن بعدها المعاتبة، خاصة وان الدولة هي التي انتجتهم جميعا على اختلاف اطيافهم وتلاوينهم المواقعية والجغرافية والديمغرافية، فالمنصب او تسهيلات الدولة هي اكبر مصنع لانتاج النخبة .
الخلط في التحليل ووضع الجميع في سلة واحدة يضرّ بالنتائج واستخلاص الحلول، فالمسؤولين السابقين ورجالات الدولة المعتزلين للمناصب او الذين جابوها كلها قبل الاعتزال، هم ذخيرة الدولة في كل الاوقات وهم الذخيرة السريعة في وقت الازمات تحديدا، واعتزالهم او صمتهم سواء نتيجة الغضب او نتيجة الاحباط غير مبرر وغير مقبول، فالسلطة ليست الدولة والمعركة الدائرة في الاقليم وعلى حدودنا من كل الجهات تستهدف الدولة ولا تستهدف السلطة ورأينا كيف كانت نتائج تقاعس السلطة وصمت النخبة او انانيتها ومقايضتها من الحاق للاذى بالدولة نفسها وجوارنا اكبر دليل على ذلك .