تساؤلات عديدة طرحها متابعون مؤخرا، بشأن تصريحات جلالة الملك لدى ترؤسه اجتماعا لمجلس الوزراء، والتي حملت رسائل كثيرة وجب على الحكومة التمعن جيدا في مضمونها والعمل عليها، خصوصا أنها تأتي بشكل مختلف تماما لحديث جلالته عن الأجهزة الأمنية في خطاب العرش.
بعضهم ذهب إلى تأطير هذه الرسائل والتركيز على الدفاع المطلق عن الحكومة، فيما عمد آخرون إلى الإشارة إلى أن المقصود بحديث الملك هم الوزراء والمسؤولون، في محاولة لتحييد شخص الرئيس بصفته الوظيفية. أما الطرف الثالث فقد استغل ذلك بشن هجوم شامل على الحكومة كفريق كامل.لكن للأسف، لم يتمكن أي طرف، سواء المتعاطف مع الحكومة، أو الناقد لها، من تقديم رواية مقنعة لوجهة نظره، فلم نفهم لماذا يدافع هذا الطرف الذي حاول تسويق إنجازات الفريق الحكومي، بدون ذكر أرقام ومعطيات تدعم دفاعه. الفريق الثاني الذي ركب موجة الحديث الملكي واتخذه سلما لمعركة ضد الحكومة، لم يشرح روايته بأدلة وحقائق، حيث بات واضحا أن هدف كل منهما هو خوض غمار معركة من زاويته الضيقة، بدلا من الانشغال في تحليل مضمون الرسائل، وكيفية تنفيذها!في المحصلة، فإن المواطن، الذي من مهام مؤسسات الدولة خدمته وتأمين متطلباته واحتياجاته باعتبار أن له حقوقا نص عليها الدستور، بات جاهلا بما يحدث، مغيبا عن الحقيقة، ومتلقيا لسرديات بلا ملامح، أو عناوين واضحة، فتاه عن الإمساك بأطراف الحقيقة التي يختصرها سؤال: هل فعلا سنصل لمرحلة أن ينسحب من العمل العام أي مسؤول غير قادر على تأدية عمله، أو على أقل تقدير هل سنبلغ من الحلم لموضع يتم فيه اختيار المسؤول بشكل موضوعي، بعيدا عن الفوضى والعبثية، والمحسوبية، وصلة القرابة أو جمعة الأصدقاء؟الإجابة عن السؤال الأول لا تحتاج إلى معجزة، إذ إن عقلية المسؤول الأردني لن تصل به لمرحلة تحمل مسؤولية فشله، وتقديم الصالح العام على اعتباراته الشخصية في تولي المنصب والفوز بلقب معالي أو عطوفة، أو سعادة، فهو يرى أنه يملك من الكفاءة ما لا يملكها غيره، فلمن سيترك المنصب؟ أما فيما يتعلق بإعادة النظر في آلية اختيار المسؤول، فهذا أيضا من الناحية الواقعية ضرب من الخيال، لكنه عمليا ليس مستحيل التحقيق، وهو على مستويين اثنين؛ الأول ابتعاد رئيس الحكومة، أي رئيس كان، عن توزير الأصدقاء والأحبة والمعارف، والاستعاضة عن ذلك بآلية جديدة ومعايير يتم تطبيقها على المرشحين لتولي هذه المواقع. هل نحن قادرون على ذلك؟ بالتأكيد إذا ما قررنا أن نكون.أما المستوى الثاني، فهو يتعلق بالوظائف العليا، وقد وضعت منذ سنوات قليلة آلية لشغلها، تم تطبيقها بصورة شكلية في العديد من المناسبات، لكن في حكومة الدكتور بشر الخصاونة تم وأدها تماما لنعود لقاعدة “أريد هذا، وأرفض ذاك”. أما لماذا أريد هذا ولماذا لا أريد ذلك، فليس بالضرورة أن نعلم. لقد قرر صاحب الشأن ذلك!بالمحصلة، لا يمكن إصلاح ما أفسد لغاية اليوم، بقدر ما يمكننا الحيلولة دون إفساد ما هو قادم، وأرى أن ذلك يبدأ من المدرسة التي يجب أن تكون قادرة على خلق بيئة، لا تقتصر فقط على التربية والتعليم، وإنما في بيئة تمتلك معايير أخلاقية أيضا، ننحاز فيها إلى العدالة والمساواة، بفتح الباب أمام الكفاءات الحقيقية لأن تتقدم الصفوف، عندها سوف نكون أسسنا لثقافة جديدة، نعلمها للجيل القادم، الذي سوف يمتلك رؤيته الموضوعية في النقد أو الترويج.
الحكومة بين المروجين والناقمين!
مدار الساعة (الغد) ـ