اخبار الاردن اقتصاديات دوليات جامعات وفيات برلمانيات احزاب وظائف للاردنيين رياضة أسرار و مجالس مقالات مختارة مقالات تبليغات قضائية مناسبات جاهات واعراس مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة كاريكاتير رفوف المكتبات طقس اليوم

كيف جمعت الرياضة زعماء وأقطاب السياسة


فايز الفايز

كيف جمعت الرياضة زعماء وأقطاب السياسة

مدار الساعة (الرأي) ـ نشر في 2022/11/22 الساعة 00:43
مؤتمران عالميان احتضنتهما العاصمة القطرية الدوحة، الأول هو كأس العالم لكرة القدم، والتي أعلن انطلاقها المُضيف الشيخ تميم آل ثاني في حفل غير مسبوق في عالم الأولمبياد الرياضي، وببصمة عربية تحدّت كل نظريات المؤامرة التي امتلأت بها صحف الغرب وإسرائيل من منطلق عدم سماح الدولة المحافظة لرفع أعلام الشواذ جنسيا وإدخال الخمور للملاعب، حيث قدمت قطر نموذجاً عصرياً يواجه كل تفاهات العالم المُنحل والتعالي الإنساني ضد دول الشرق المحافظة بعاداتها وتقاليدها المحترمة، ووضعت الدوحة بلدها وبلاد العرب كفسيفساء عالية الكفاءة دون ابتذال أو نفاق لتسليع القيمّ الإنسانية والأخلاقية والدينية.
المؤتمر الثاني كان جمع العديد من زعماء العالم العربي والصديق في قمة رئاسية لم يشهدها أي أولمبياد رياضي في التاريخ، حتى الأضداد منهم تلاقوا بروح رياضية، حيث التقى الجمع الرئاسي والممثلون عن دولهم على طاولة ابن ثاني بكل رحابة صدر ودون أي تكلف أو ندية.
فقد حضر حفل الافتتاح الملك عبدالله الثاني وولي العهد الأمير الحسين، والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، والرئيس التركي طيب رجب أردوغان، والرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وولي عهد الكويت الشيخ مشعل الصباح، ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، ومحمد بن راشد نائب رئيس دولة الإمارات، ونجيب ميقاتي من لبنان، وممثل سلطان عُمان ذي يزن آل سعيد، ورئيس السنغال ماكي سال، والرواندي بول كامي، فضلا عن الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش، تلك كانت قمة على مستوى القادة، وبالطبع جاءوا دعماً لجهود قطر في إيصال رسالتها للعالم أن بلاد العرب ليست نفطاً وصحراء فقط، بل إن هناك إرادة تضع أصغر الدول في مصاف عمالقة الدول العظمى.
لقد كان للاجتماع الرياضي بين الزعماء خاصية سياسية فريدة لا يمكن أن يراها المراقب قريباً من مؤتمرات القمم العربية التي يأخذ جانب منها صفة السرية، وتكون المباحثات ما بعد الخطابات غامضة ولا تخرج تفاصيلها، حتى البيانات الختامية تمثل ذات النهج الكلامي، أما ما حدث في الدوحة فهو استثنائي بحق، حيث تصافح الأضداد، وظهرت الابتسامات، وبدأت الخطوة الأخرى نحو تطبيع العلاقات الشخصية بينهم، لأن العلاقات الدبلوماسية لا بد وأن تبقى كشعرة معاوية، أما اللقاءات المباشرة فأغلبها تنتج تعاوناً إقليمياً ودولياً لمواجهة المتغيرات والتعاون المنتج لسياسات تدعم نهوض عالمنا العربي والإقليمي.
بالطبع لا تستطيع كرة القدم جمع شمل الدول أو تعزيز المشتركات بينها، فالأصل في المنافسات الرياضية أن تكون سببا في المنافسة وإثارة المشاعر والنرجسية والانكفائية، ولكن فيما رأيناه من جمع عالي المقام في الدوحة، يؤشر إلى أن قطر استطاعت مواجهة كبار دول العالم وفرض شروطها الأخلاقية عليها، ليس ذلك فحسب، بل غيرت مجرى الاستحواذ لتلك الفعالية الرياضية ضمن دول بعينها، وهذا ما جعل كثيراً من الدول الغربية ترفع عقيرتها، وهي التي نسيت كيف تدخلت في زعزعة النظام العربي ودعم الثورات التي انسقنا وراءها، وهي التي لا تزال تسطو على ثروات أفريقيا وتزرع الانشقاقات في دول العالم الثالث.
الأمر الأهم أن العالم سيرى خلال فترة المونديال كيف تُقدم دولة عربية صغيرة الحجم ثقافتها العربية والإسلامية دون ابتذال وخلاعة، كما يحدث في دول منساقة للرذيلة والترويج لتغيير الجنس والفردية العائلية، رغم رفض الديانات الإسلامية والمسيحية واليهودية المعتقدات المحافظة، والأحزاب اليمينية، وهذا يسجل للأشقاء في قطر بما أرادوا من إعادة الكرامة وإعلاء شأن الأخلاق وأكثر من ذلك أنهم أصبحوا نداً للكثير من التيارات السياسية التي تحاول زعزعة الاستقرار في عالمنا العربي.
ما جرى في قطر يذكرنا بماض بعيد قليلا، فقد انتزعت الدولة الأفريقية والمستعمرة السابقة "زائير" حصرية مباراة بطل الملاكمة الأعظم محمد علي كلاي ونده جورج فورمان عام 1974 في العاصمة كنشاسا، حيث شاهد العالم كله تلك المباراة التي فاز فيها كلاي على منافسه فورمان بالقاضية، وكيف وضعت أعلام زائير مع أعلام الولايات المتحدة، وعُزف السلامان للدولتين، ورفعت صورة الرئيس الزائيري آنذاك "موبوتو سيسي سيكو" قبل تغيير اسمها للكونغو، وبعد نهاية المباراة قدم كلاي عبر محطة "إي بي إس" خطبة توبيخية لمن كانوا يطلقون على السود نعت الكلب الأسود، رغم مضي عشر سنوات للسماح للسود أن يشاركوا في الحياة العامة دون تمييز عرقي بأميركا، ومع ذلك فقد وضع الزائريون بلدهم على خارطة العالم بعد أربعة عشر عاما من استقلالها عن فرنسا وبلجيكا.
ما جرى في الدوحة سيتذكره العالم، ولعل القمة الرئاسية تكون بداية النهاية للقطيعة بين دول الشرق الأوسط وإعادة التوازنات بروح رياضية، كي لا تمزقهم السياسة مجددا.
Royal430@hotmail.com
مدار الساعة (الرأي) ـ نشر في 2022/11/22 الساعة 00:43