عشية استضافة الشقيقة قطر لبطولة كأس العالم الأحد القادم، نالت سهام النقد غير الموضوعي البلد الوادع في الخليج العربي، وطالته حملة تنمرٍ لم تستسغ قيام دولةٍ بحجم قطر، عربيةٍ خليجيةٍ، آسيويةٍ، مسلمةٍ بهذه المهمة التي تتنافس عليها دولٌ كبرى، رغم أن حق قطر مشروعٌ بتنظيم البطولة، واستضافة أبطالها، وجمهورها، فعالمنا واحدٌ رغم امتداده الجغرافي، وتنوع ثقافاته، بل هو قريةٌ كما بتنا نقول مع التطور التكنولوجي، وانتشار شبكات التواصل على الإنترنت.
وليقينٍ لا بنجاح قطر في تنظيم البطولة فحسب، بل وبتألقها، وتميزها، بالنظر إلى ما أعدته لهذا الحدث الكبير، وحجم ما أنفقت عليه، ولبعضٍ من واجبٍ تجاه دولةٍ شقيقةٍ أراد البعض أن يسلبها حقًا، ويحرمها شرف استضافة البطولة، ليوحي بأن هذا الشرف حكرٌ لقارةٍ أو لثقافةٍ دون غيرهما. وبعيدًا عن منطق المجاملة، وبموضوعيةٍ، تدعمها حقائقٌ على أرض الواقع، لم تكن حجج الفريق الناقد موضوعيةً بحالٍ. فهم أغفلوا القدرات المتميزة التي أبدتها الدولة المضيفة من بناء ملاعبٍ، وتجهيزاتٍ فاقت ما عرفناه إلى حينه في تنظيم بطولات مشابهة، وركزت على طقس البلاد، رغم أن التوقيت الذي شكّل سابقةً، منح المشاركين والجمهور فرصة التمتع بصيفٍ معتدل الحرارة، يقارب، بل ويقل عن حر شهر حزيران في كثير من البلدان، ويمنح القادمين من وسط أوروبا، وشمالها، البعد شهرًا كاملًا عن برد شتاء بلدانهم.وليس الطقس وحسب، ما يمثّل تجربةً جديدةً للمشاركين في البطولة والضيوف على حدٍ سواء، بل هو المكوّن الثقافي الحضاري الجديد الذي أضفته قطر على أجواء كأس العالم، وقد أعدت لذلك جيدًا، إذ لم تكن الرؤية أن تستضيف دولة قطر مبارياتٍ لكرة القدم فحسب، بل إنّ النظرة أبعد من ذلك، ولعل هذا مردّ بعض سهام النقد التي أطلقت، وأخطأت هدفها. ولقد حفل التنظيم ببعدٍ ثقافيٍ يروّج لثقافة قطر وحضارة محيطها الخليجي والعربي، وهذا واضحٌ في تصاميم الملاعب، وفي تسمياتها التي تعكس ثقافتها بزهوٍ، وفي الحرص على إبراز الهُوية الوطنية، والانتماء القومي، وهذا ما يسجل لقطر باعتزاز. وأثيرت قضايا أخلاقيةً ضمن الجدل حول استضافة قطر لكأس العالم، ومن باب الحرية الفردية، كمسألة المثلية الجنسية. ولأن المقام لا يتّسع لنقاشٍ حولها، فالموضوعية تقتضي أن نحترم ثقافة من نحلُّ عليه ضيوفًا، لا بل وأن نستزيد من ثقافته، من باب التعارف، والتفاعل الذي يوفره لنا الاختلاف. إن القادم الى الدوحة سيرى كلًا متكاملًا من نسيجٍ اجتماعيٍ ثقافيٍ خاطته رمال صحراء لاهبةٍ، أحالتها إرادة قيادة شابة، الى دوحةٍ وارفة الخضرة، وأبنيةٍ تعانق نجوم السماء تلألؤًا، ومجتمعٍ يرقى بالعلم، والانفتاح على العالم، تعليمًا، وفكرًا، وثقافةً، إلى جانب حضورٍ دوليٍ يتجاوز حدود الموقع والمساحة، ويرنو الى مصاف الدول الفاعلة في محيطها، والمؤثرة في نطاق لا حدّ له.إن الاختلاف بحد ذاته ليس مسوّغًا للنقد، بل إنه ميزة حبانا الله بها لتكون دافعًا للتفاعل والتواصل. ويقول تعالى: " يا أيها الناس إنّا خلقناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا، إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم". التعارف هو الغاية من الاختلاف. والاختلاف هنا بمعنى التنوّع، والكون يزخر بالتنوع هذا، وبما يمكن لنا أن نعرفه، ونجربّه، ونتفاعل معه في كل المجالات من ثقافةٍ، وفكرٍ، وأدبٍ، وموسيقا، وعاداتٍ وتقاليدٍ، فلمَ نحرم أنفسنا من هبةٍ ربانيةٍ أهداها لنا خالق الأرض والسماء؟هي دعوةٌ لأن نفتح قلوبنا قبل أعيننا، لنرى ما بهذا الكون من جمالٍ لم يعد بعيدٌا عنا بفضل ما قدمه العلم لنا من وسائط تقرّبنا إلى بعضنا، تُلغي حقائق الجغرافيا، وتفتح لنا بابًا نُطل منه على بعضنا دون حواجزٍ من اختلاف هُويةٍٍ أو دينٍ، أو عرقٍ، أو أي انتماءٍ آخر.
العالم في قطر.... هل يقبل بثقافة الاختلاف؟
مدار الساعة ـ