حتى اليوم ثمة جمهور عربي عريض يصطف بين معسكري الصراع والهيمنة في العالم، الروس بمن معهم من حلفائهم القدامى وعلى رأسهم الصين، ويؤيدهم كل الكارهين لامريكا والغرب الامبريالي والذين يرفعون شعار «الموت لامريكا»، وفي الطرف الآخر هناك امريكا التي تتزعم رأس الغرب الرأسمالي ولهم من يواليهم ويبشر باسمهم كناشري السلام والديمقراطية.
المواقف العربية الرسمية اليوم أكثر وعيًا لمصالح بلدانها، إذ لا يبدو أن القادة العرب يسعون لتأييد طرف على آخر، وهو أمر جيد وعقلاني، لكن الجمهور العربي والحالة على معسكري مؤيدي كل طرف جماهيريا تبدو مختلفة، وهي كذلك عالميا، فروسيا البوتينية وامريكا التي لا يمكن وصفها بانها بيد بايدن تتنازعان على الهيمنة، واللقاء الأخير لرئيسي جهاز الاستخبارات الروسي والامريكي في اسطنبول قرر شكل التفاهمات والمحادثات، وربما مستقبل الصراع الذي بات مقبول التفاوض عليه لكن خارج الشروط الأوكرانية والروسية.في افتتاحية مجلة ميديابارت الفرنسية في شباط 2022 التي كتبها رئيس التحرير إدفي بلينل تحليل لهذا الصراع والاندفاع الروسي الذي يبدو قابلا للبقاء؛ جراء راهنيته، ولسبب آخر لامكانية تطبيقه على أي ديكتاتورية، تريد مصادرة طموحات شعوبها الديمقراطية.ولكن إدفي بلينل يطرح الامبريالية الروسية مقابل الامريكية، وهو لا يقطع بوصف امبريالي لامريكا، طبعا بالتأكيد أن امريكا تستفيد من موقفها التاريخي في الحرب البلقانية منتصف التسعينات، لها هناك حسابات قديمة وصورة مشرقة ديمقراطية، وفي المقابل لروسيا صورة غير مناسبة لتسويقها كدولة تدعم الحريات والخيارات الديمقراطية، بل دولة طاغية.في افتتاحية الميديابارت كلام مهم عن امبريالية روسية جديدة، وعن حلم روسي بتمدد وزعامة، وانهاء للتفوق الامريكي في مصير العالم، هذا قول سمعه الكثيرون من خصوم ومؤيدي طرفي الصراع، روسيا التي منذ قررت وضع حدّ للربيع العربي في سوريا ومنذ ان اخذت شبه جزيرة القرم قبل ثماني سنوات في سابقة أوروبية منذ الحرب العالمية الثانية، لم تعد قادرة على تمثل مخاطر التمدد أكثر من اللازم، كما أن ضعف امريكا وحلفائها سمح بذلك، ولا يعني ضعف امريكا تراجع قوتها، بل ضعف القدرة لدى رئاساتها وقادتها، ودخولها بالحقبة الترامبية التي أخلت بحضورها.
إمبريالية الروس وإمبريالية أمريكا
مدار الساعة (الدستور) ـ