في تصريح لافت يستبطِن الكثير ويعكس من بين أمور أخرى, قلق الإدارة الأميركية إزاء التحوّلات الدولية, التي أخذت تشقّ طريقها نحو عالم مُتعدّد الأقطاب, أعلن الرئيس الأميركي بايدن الأسبوع الماضي, عن «أملِه» بالتحدّث الى الرئيس الصيني شي جين بينغ حول «الخطوط الحمراء» لبلديهما, خلال حضورهما قمة مجموعة العشرين في منتجع «بالي» الأندونيسي والذي يبدأ الأربعاء المقبل, مُضيفاً: ما أُريده منه عندما نتحدّث هو تحديد ما هي خطوطنا الحمراء؟
لغة مُهادنة ومُصطلحات غير مُستفزّة يطرحها رئيس أميركي, على غير عادة الرؤساء الأميركيين السابقين ومنهم الحالي بايدن عندما يتحدثون عن دول أخرى ومع زعماء آخرين في العالم, حتى من بين حلفائه الأوروبيين. إذ تطغى لغة التهديد والوعيد وتحضُر الاستثنائية الأميركية المَحمولة على أنانية واستعلاء وأوامرية.ما يشي بأن التوتر بين واشنطن وبيجين ما يزال قائماً, والتي فاقمتها زيارة رئيسة مجلس النواب/نانسي بيلوسي لتايوان. وما صاحبها من تصريحات استفزازية تكفل بإحداها الرئيس بايدن نفسه. عندما أعلن بأن بلاده ستُساعد تايوان عسكرياً إذا ما تعرضت الى «غزو صيني»، ثم تلتها عمليات عبور استفزازي بقطع بحرية أميركية وإعلان عن تزويد تايوان بصفقة أسلحة مليارية، ناهيك عما أطلقه مسؤولون تايوانيون من تصريحات مُتحدية لبيجين, وخاصة رفضهم اعتبار بلادهم جزءاً من الصين. وهناك منهم من تحّدث عن «استفتاء» لسكان تايوان ساندهم في ذلك مُشرِّ?ون أميركيون.جدول أعمال قمة «بايدن – شي» مزدحم ومثقل بالعناوين. ما يعني ان تحديد الخطوط الحمراء سيكون صعباً. حال واجه أحد الملفات تعقيداً أو رفضاً أو تحفّظاً. كون الملفات مُترابطة على نحو يمكن وصفه بالاستراتيجي, وبخاصّة في مسألة «السيادة الوطنية». كأن يتم التطرّق لمسألة الويغور والاستثمار الأميركي المنافق في هذا الملف. إضافة لاسطوانة الديمقراطية وحقوق الإنسان التي تتبنّاها الإدارات الأميركية المتعاقِبة, ولا تُشهره إلاّ وجه الأنظمة والدول التي ترفض الاصطفاف والخضوع لهيمنتها, خاصّة روسيا والصين ودول عديدة في آسيا وافريقي? وأميركا اللاتينية، ناهيك عن حكاية الدعم الصيني العسكري لروسيا, إضافة الى ملف كوريا الشمالية وبرنامجيْها النووي/والصاروخي, وخاصّة إطلاقها المثير الأخير لعشرات الصواريخ الباليستية/وعابرة القارات, وما يجري ترويجه أميركياً وكوريا جنوبياً عن استعدادات كوريا الشمالية لإجراء تجربة نووية سابعة. حذّرت واشنطن وسيئول بأنها لن تكون بدون عقاب (...). بل ان «تطوير» البرنامج النووي الصيني نفسه يتعرّض هو الآخر لحملة أميركية مركزة، وهذا أيضاً ما جاء في وثائق الاستراتيجية الدفاعية والعسكرية الأميركية, التي وصفت فيها إدارة ب?يدن الصين بأنها «المنافس العالمي الرئيسي للولايات المتحدة، مُحذّرة من تطوير بيجين لبرنامجها العسكري واسلحتها النووية». بل ثمّة مسؤول أميركي/الأدميرال تشارلز ريتشارد, وصفَ برنامج تطوير الأسلحة النووي الصيني بأنه «سيُشكّل مشكلة على المدى القريب».صحيح ان عقيدة بايدن للأمن القومي اعتبرت الخطر الصيني اولاً, إلاّ أنها في الوقت نفسه لم تُهمل أو تتجاهل ما أسمته خطر روسيا (رغم مزاعمها بأن الحرب في أُوكرانيا عكست «هشاشة» الجيش الروسي), عندما قالت: إنها ستعمل على كبحها. وإن كانت في الوقت عينه اعتبرت على الدوام ان ما يجري, هو «صراع بين الديمقراطية والأنظمة التسلطية», والمقصود بالطبع الصين وروسيا.لقاء الاثنين/غداً بين بايدن سيكون الأول وجهاً لوجه بعد خمسة اتصالات هاتفية او عبر تقنية الفيديو. ما قد يسمح بتواصل أكثر دفئاً, لكن من السابق لأوانه المراهنة على إمكانية حدوث تفاهمات أعمق وأوسع. خاصّة إذا استندنا الى ما قالته ناطقة البيت الأبيض/ كارين جان – بيار: ان الاجتماع «لا» يهدف الى تحقيق نتائج «ملموسة", بل ان الهدف هو «تجنّب» «سوء الفهم» من خلال ابقاء خطوط الاتصال مفتوحة على كل المستويات. ما يدفع للاعتقاد بأن إدارة بايدن تستشعر صعوبة وعجزاً في إقناع الرئيس الصيني, الذي خرج أكثر قوة ونفوذاً بعد مؤتمر ?لحزب الشيوعي الصيني الـ «20». سواء في شأن تايوان أم خصوصاً في مسألة التقارب/التحالف مع روسيا, ناهيك عن كوريا الشمالية واتهامات واشنطن لروسيا والصين بأنهما تُوفران دعماً وحماية لنظام بيونغ يانغ. دون إهمال الخلافات التجارية والصراع حول أشباه الموصلات وبحر الصين الجنوبي والأحلاف العسكرية التي تقيمها واشنطن في المحيطين الهادئ والهندي.. مثل ثلاثي «كواس» ورباعية «كواد».kharroub@jpf.com.jo