أنا الأردني الذي تعلمت في الطفولة أغنية: (بيع الجمل يا علي واشتري مهرا إلي)... تخيلوا واحدة تطلب من علي بيع الجمل, والجمل مصدر الرزق والجمل هو الذي يصبر على الحمولة.. لكن علي سيبيع مصدر رزقه لأجلها.. علي في النهاية باع الجمل.. علمونا أن غمزة صبية أهم من الجمال كلها.
أنا الأردني.. الذي علموه في الطفولة أيضا.. عن باسم ورباب, حشوا دماغه بقصة باسم ونظافته وبأنه يرمي الأوساخ في سلة القمامة, وبأنه لايشتري الحلوى المكشوفة المعرضة للذباب.. أوهمونا أن الذباب هو العدو الأول، ولهذا كانت معركتي في الصف الأول والثاني مع الذباب.. كان باسم أكبر كذبة ورباب كانت هي الأخرى كذبة.. ومازلت أظن أن الذباب عدوي للأسف.أنا الأردني..الذي جعلوه في الصبا يغني أيضا : (يعشقون الورد لكن يعشقون الأرض أكثر)... لكن عن أي أرض يتحدث حيدر محمود , عن أرضي في الكرك والتي ما زال متر الموكيت في عمان أغلى من متر الأرض هناك .. عن امتار عبدون ودير غبار؟ عن الاستصلاحات وادخال مجموعات من أراضي المتنفذين في التنظيم.. عن الهبات والعطايا.. عن أراضي دابوق والمطار , عن اراضي الجامعات... وهنا أسأل هل الجامعات لدينا بنيت للتعليم أم لزيادة أسعار الأراضي وزيادة أسعار المرابين؟ .. وقبلت بكوني أعشق الورد لكن اعشق الأرض أكثر ...أنا الأردني ..أنا الذي أخبروه... معادلة سياسية مهمة رسخت في ذهنه منذ صباه وهي : (ما بحرث البلاد غير عجولها).. وقبلت أن أكون العجل, حتى من دون تسمين... وها أنا احرث... منذ 90 عاما وأنا احرث, وحين كبرت تبين أن غيري يحصد ...لو قالوا ما بحرث البلاد غير خيلها، لو قالوا ما بحرث البلاد غير جمالها ..ولكنهم اختاروا لي وصف العجل.. وأساق للذبح والسلخ راضيا.أنا الأردني..أنا الذي علموني أن كتب الاستدعاءات وطلبات المساعدة على مكاتب المسؤولين والوزراء هي جزء من المواطنة, وعلموني بالمقابل أن تكافؤ الفرص يعني الانتقاص من حقوقي وأنها مجرد دعوة ظاهرية في باطنها مؤامرة... أي معادلة تلك؟.. التي يصبح التسول فيها مواطنة بالمقابل تصبح المواطنة مؤامرة ... علموني أيضا , أن الصناديق الانتخابية ليست ديمقراطية بل هي في لحظة من الممكن أن تكون موسما اقتصاديا للكنافة والتنفع وتحريك السوق.. نحن الدولة الوحيدة التي حولنا الديمقراطية إلى مشاريع تكسب غير مشروع... علمونا أيضا أن أبناء العمومة لهم الحق في التعيين.. وأن أرقام ديوان الخدمة المدنية هي مجرد اكسسوارات ...علمونا أيضا أن الوظيفة غنيمة وليست حقا مشروع..أنا الأردني..باعوا كل ممتلكاتي التي بنيت على أرضي, وبعرقي... ودفعت أثمانها... باعوها باسم التطور ومواكبة اقتصاد السوق والانفتاح, والمشكلة أنهم نزعوني من التطور وتركوني رهين القبيلة ...أغلقوا علي الأبواب وطالبوني بالإنفتاح... أما اقتصاد السوق - وهذا يسجل لهم - تركوا لي فيه سوق الحلال ...حتى سوق الحلال صرنا نخرج منه هو الاخر ..أنا الأردني أنا الذي صوروا لي الكل بأنهم أعداء , وبأني اعيش معركة الوجو.. وتبين لي أن الكل يشفق علي لما امتلك من نرجسية , أوهمونا بعد أن باعوا المقدرات بأن أمننا هو رأس المال الحقيقي ..ورأس المال هو الخبز والكرامة ..ماذا ينفع الأمن والألوف من كتب الاستجداء والاسترحام ترمى يوميا على مكاتب الدولة؟ .....ماذا سينفع من تيبست في وجهه الشفاه, وذبلت العروق..أنا الأردني ..حقل التجربة.. لا بل التجربة بحد ذاتها , والمشكلة أني منذ (90) عاما لم أراجع نفسي.. لم أقم بمعاتبة ذاتي.. لم انجح في تأسيس مشروعي الفكري أو السياسي أو حتى الوجداني.. لكني نجحت بجعل الفيصلي يفوز بالدوري ...هل قلت الفيصلي نعم هو المشروع الوحيد الذي جعلناه ناجحا كأردنيين.. ومادون ذلك لم ننجح في شيء.وها أنا أغني : (فيصلي هو هو زعيم بره وجوه )