قاربت الحرب اليمنية – اليمنية على إنهاء عامها الثامن دون ان تلوح بوادر على تحقيق سلام منشود تسعى الأمم المتحدة وراء سرابه منذ سنوات من دون جدوى، وكأي حرب أهلية فقد خلفت تلك وراءها الكثير من المآسي وتسببت بانهيار الدولة بما يتبعها من نظم اقتصادية وسياسية وصحية وتربوية... الخ، لكن طول أمد الحرب ومعادلة استمرار الحياة ولو حتى تحت رحاها بدت واضحة في هذا البلد الفقير المثخن بالأزمات والصراعات.
لم يكن توقف الحياة خيارا واردا فيما يبدو رغم الحرب وامتدادها كل هذه السنوات خصوصا في المناطق التي شهدت المعارك الأقوى في أول عام أو عامين للحرب، كما هو الحال في مدينة عدن التي تتخذ منها لحكومة المعترف عاصمة بديلة عن صنعاء التي لاتزال تحت سيطرة جماعة أنصار الله الحوثية ومحافظات الجنوب والشرق ومدن وارياف الساحل الغربي لليمن، وهي المناطق التي تمكن التحالف الذي تقوده السعودية والمقاومات المحلية من انتزاعها من قبضة الحوثيين المحصورين حاليا في محافظات الشمال.هذا الواقع المفروض عسكريا خلق واقعين نقيضين في بلد واحد، فالمناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة المعترف بها دوليا، باتت تعيش وضعا أفضل بكثير خصوصا منذ أن تمكنت القوى السميطرة عليها من تحقيق مستوى مقبول من الاستقرار الأمني وحسمت معاركها مع الحوثيين في تلك المناطق بداية ثم مع تنظيم القاعدة في جزيرة العرب الذي كان يسيطر قبل سنوات على ثلاث محافظات من أصل ست في الجنوب، بينها حضرموت كبرى محافظات البلاد.في عدن والساحل الغربي على وجه الخصوص، تزايدات الكثافة السكانية بشكل مضاعف، هذه المناطق القريبة من بؤر النزاع وسط وغرب اليمن شكلت ملاذًا آمنًا للملايين، كما أن التدفق السكاني الهائل إلى هذه المناطق، حوّل مدنًا نائية مثل المخا إلى حواضر تكتظ بأعداد غفيرة من القادمين، من ضمنهم مستثمرون ورجال أعمال رحّلوا ثرواتهم مجبرين من صنعاء ومناطق الشمال حيث كانوا يجبرون على دفع أموال طائلة للسلطة المسيطرة تحت بند دعم الحرب.وإذ يدير الحوثيون مناطق سيطرتهم بقبضة حديدية مشددة، رافقها تعزيز الموارد المالية للجماعة المدعومة من إيران من خلال فرض الجبايات والإتاوات والضرائب المضاعفة، إضافة إلى تبرعات مالية إلزامية تُفرض بشكل متفاوت بناء على الأحداث والمناسبات التي يقيمها الحوثيون، ناهيك عن تجارة الوقود في السوق السوداء بعوائد مالية هائلة ويمنعون معظم الأنشطة الفنية خصوصا اذا ارتبطت بالمرأة التي تمنع من الخروج من منزلها من دون محرم في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين.وهي أمور تضاف إليها أخرى كثيرة تسبب بهجرة رؤوس الأموال من الشمال ألى الجنوب أو الغرب او إلى خارج البلاد فيما نزح ملايين من سكان الشمال إلى تلك المناطق حيث الاستقرار وحيث لاتفرض عليهم جبايات ولا يجبرون على إرسال أبنائهم إلى جبهات القتال، كما اضطر الفنانون وكثير من الناشطين خصوصا من النساء إلى الفرار من مناطق الشمال حيث هناك الكثير من التضييق، وهو أمور خلقت في آخر المطاف واقعين مختلفين تماما في بلد واحد.فازدهرت الأنشطة التجارية والاقتصادية والفنون في مدن مثل عدن والمخا والمكلا في أقصى الشرق، على حساب مناطق الشمال ومن بينها العاصمة صنعاء التي يعيش فيها من بقي من السكان تحت قبضة حديدية ولم يتسلم موظفوها رواتبهم منذ سنوات ما تسبب باتساع رقعة الفقر بشكل غير مسبوق. ومع هذا الواقع الذي خلفته سنين الحرب تبدو البلاد ماضية في ترسيخ تلك المعادلة المختلة وتعزيزها، في حال مضت أعوام أخرى من دون حل للأزمة التي طالت كثيرا، وقد نرى مستقبلا واحدة من أقدم مدن العالم وأعرقها كصنعاء وقد فقدت معظم سكانها لصالح مناطق أخرى، فاليمني كما هو الإنسان الطبيعي يبحث عن الاستقرار والعمل والأمن وشيء من الحرية والقدرة على التعبير وممارسة الفنون والأنشطة المختلفة.
اليمنيون والبحث عن فُرص العيش
مدار الساعة ـ
اليمن - تحقيق اخباري
حجم الخط