مدار الساعة -حينما تغلب مشاعر الفرح أو الحزن على الشخص أيا كانت، فإنه قد يعبر عنها بتصرفات تسبب الأذى للآخرين من دون الالتفات إلى مساحة الآخرين وتعديه عليها.
التعبير عن المشاعر يأخذ الشخص أحيانا إلى أماكن أخرى، فتلحق الأذى بالآخرين، فيصبح فرح البعض حزنا للآخرين، مثل حوادث كثيرة شهدها المجتمع قلبت الكثير من الأفراح إلى أتراح وأخرى تسببت في مشاجرات انتهت بجرائم قتل.ليست مشاعر الفرح أو الحزن هي السبب وإنما طريقة التعبير عنها، فينسى أصحابها في كثير من الأحيان أن حريتهم في التعبير عن تلك المشاعر تنتهي عندما تنتهك حرية أشخاص آخرين وتلحق بهم الأذى.إطلاق عيارات نارية وإغلاق طرق في الأفراح ومواكب سيارات، ومن جهة أخرى حرق إطارات سيارات ورشق حجارة وغيرها من السلوكيات غير المسؤولة التي يعبر عنها البعض، ضاربين بعرض الحائط ما يمكن أن تتسبب به هذه التصرفات من أذى للآخرين.المشاعر والعواطف جزء من الإنسان، والتعبير عنها يتم باستمرار سواء داخل المنزل أو في بيئة العمل أو مع الأقارب والأصدقاء أو في الشارع العام، وأحياناً الشخص مع نفسه ومن دون وجود أحد، بحسب خبير علم الاجتماع الأسري مفيد سرحان.ويبين سرحان أن على الإنسان أن يعتاد التعبير عن مشاعره بطرق مناسبة، لأن إخفاءها كلياً ربما تكون له آثار نفسية وصحية سلبية على الشخص، إلا أن هنالك مساحة واسعة للتعبير عن جميع المشاعر بطرق متعددة من دون الإضرار بالنفس أو بالآخرين أو ممتلكاته أو ممتلكات الآخرين ودون التعدي على الممتلكات العامة أو التسبب في الإزعاج والإضرار النفسي.ويؤكد ضرورة ألا يتجاهل الإنسان أنه عندما يعبر عن مشاعره، فإن هنالك من لديه مشاعر مختلفة تماماً، فقد يعبر عن فرحه في حين أن غيره يعبر عن حزنه، وفي الوقت نفسه وفي مساحة واحدة وأماكن متجاوره، والتعبير الصحيح يكون بعدم استفزاز الآخرين أو مناكفتهم أو إظهار الشماتة بهم.ويقول سرحان “على الآخر أن يتفهم حق الشخص في أن يعبر عن مشاعره بما لا يتجاوز القيم والضوابط السلوكية، أو جرح المشاعر سواء عند التعبير عن الفرح أو الحزن”.ويلفت إلى أن هناك من يترجم شعوره بالسخط أو الغضب أو الانزعاج من حدث معين أو موقف ما ليس مبرراً له للاعتداء على حقوق الآخرين المادية أو المعنوية، مشددا على أن التعبير العقلاني وضبط النفس مطلوبان في جميع الظروف.ووفق سرحان، فإن الإنسان يمكن له أن يعبر عما يريد دون إيذاء غيره أو توجيه غضبه عليه سواء بالاعتداء الجسدي بالضرب أو الإيذاء أو التعبير اللفظي كالسخرية أو الاستهزاء أو الانتقاد الحاد للآخرين، أو توجيه الشتائم لهم أو بإطلاق ألفاظ نابية تمس كرامة الآخرين أو أعراضهم، أو استخدام عبارات تنم عن حقد وعنصرية وكراهية للآخر أو جذوره أو عائلته، خصوصاً عندما يعبر الإنسان عن مشاعره بين أهله وذويه وعائلته الكبيرة.ويضيف سرحان “الصراخ ورفع الصوت واستخدام زوامير السيارات، خصوصاً في المناطق السكنية وساعات الليل، أسلوب تعبير سلبي فيه استهتار وتعد، فكيف يسمح شخص أو مجموعة أشخاص لأنفسهم بحجة التعبير عن المشاعر بإلحاق الضرر بغيرهم؟! هي أنانية بغيضة يمارسها البعض في تعبير غير مشروع بذريعة الغضب أو الفرح”.ويقول “ليس من حق الشخص أن يفرض على غيره قبول شكل تعبيره إن كان في ذلك اعتداء على حقوق غيره”، منوها إلى بعض وسائل التعبير كما يحصل عند إطلاق العيارات النارية أو السير بسرعة كبيرة أو إغلاق الطرقات بحجة ادعاء البعض التعبير عن فرحه، فتكون مأساة للآخرين بإصابة أو وفاة.ويوضح، بدوره، أن التعبير عن الفرح والحزن والغضب يجب أن يكون تعبيراً آمناً لنفسه ولغيره، بحيث لا يكون “تعبيراً قاتلاً مأساوياً” وأن يعبر عن مشاعره من خلال مظاهر حضارية، فالتعبير الآمن عن المشاعر يلبي احتياجات الفرد ويحافظ على النسيج الاجتماعي.ومن الحكمة أن يمتلك الشخص القدرة على التحكم بمشاعره في كل الظروف، فالفرح والحزن والغضب والرضا والفخر والامتنان حق مشروع، لكن المهم كيف نعبر عن هذه المشاعر بإيجابية، وفق سرحان.ومن السلوكيات السلبية والخطيرة على بنية المجتمع شحن الآخرين وتعبئتهم في اتجاه معين لمشاركته في مشاعره الزائفة، مما يولد لديه مردود أفعال غير مدروسة أو محسوبة العواقب، وخصوصاً الأطفال منهم لتكون التصرفات عدائية من دون قصد وغرس شعور الكره والحقد بدل حب الآخر والتسامح معه والحرص على مشاعره، وهو أخطر ظواهر التعبير السلبي عن المشاعر، لأن بناء الجيل والمساهمة في تربيته تربية سليمة مسؤولية الجميع ومستقبل المجتمع والأمة أمانة لدى الجميع، بحسب سرحان.اختصاصي علم النفس التربوي الدكتور موسى مطارنة، يلفت، بدوره، إلى أن التعبير عن المشاعر سواء الفرح أو الحزن أمر خاص بالشخص نفسه، ويكون بالطريقة التي يجدها مناسبة أو تعبر عن الحالة الحقيقية التي يشعر بها.ويلفت مطارنة إلى أن التعبير عن الفرح بطريقة غير آمنة وتلحق الأذى بالآخرين كإطلاق العيارات النارية أو الألعاب النارية في أماكن تجمعات سكنية هو أمر مرفوض وسلوك غير سوي ويؤذي الآخرين ولا يرتبط بأي من معاني الفرح، على العكس تماما فإنه يزعج ويؤذي الآخرين.ويبين مطارنة أن تعبير الإنسان عن فرحه هو حالة إنسانية انفعالية تنم عن شخصيته وذاته بقدر ما يمتلك من المكونات النفسية والثقافية والحضارية، وما يعبر عنه بلغة تتناسب مع مكوناته، فالتعبير عن الفرح هو حالة يجب أن تتم ضمن متطلبات حرية الآخرين.ويقول مطارنة “نشاهد الكثير من طرق التعبير عن المشاعر التي فيها اعتداء على حرية الآخرين وتلحق الأذى بهم”.ويؤكد “أن طريقة التعبير تعكس حضارة الشخص وثقافته، فالشخصية التي لا تهبأ للآخرين لديها إسقاطات نفسية ومستوى متدن من الثقافة، وبالتالي لابد أن نتعامل مع الأفراح بما يسعد الآخرين ويدفعهم للمشاركة معنا والإحساس بمشاعر من حولهم، فكثير من الأفراح تحولت إلى أتراح، وكثير من المواكب خلفت قتلى وجرحى، وهو تعبير همجي لشخصية غير سوية”.وكذلك الغضب، فإنه حالة انفعالية، وفق مطارنة، ولكن لابد من ضبطها وعدم الاعتداء على الآخرين، ولابد من ضبط النفس واستخدام التفكير الإيجابي وامتلاك المهارات التي تمكن المرء من التعبير عن مشاعره وما يواجهه من مواقف بطريقة لا تؤذي غيره.الغد