منذ عمر الوعي الذي أدركناه منتصف ثمانينات القرن الماضي، لم نر أو نسمع عن قتل خارج إطار القانون فيما يتعلق بالمؤسسة الرسمية.
وفي قراءتي لتاريخ الحكومات الأردنية منذ منتصف القرن العشرين، ظهرت فيها حقب كان العمل السياسي الممتد خارجيا يتعامل به عدد من المنظمين حزبياً أو المناهضين لإجراءات الدولة، متكئين على قاعدة فكرية مضادة للوجود البريطاني في الأصل، وكان قمع المعارضين البارزين وسجنهم يأتي برعاية الضباط الإنجليز في حالة من الضعف لدى بعض رؤساء الحكومات آنذاك، ولكن لم يُقتل أحد منهم، ومنذ تولي الملك الحسين الحكم، اصطدم بالمؤامرات الخارجية، حتى القلاقل التي حدثت في البلد تم العفو عمن شارك بها، بل تسنموا مناصب الدولة.في ذاك الزمان ذهب العديد من الرؤساء وأبناء الجيش قتلاً، ومع ذلك فقد تم العفو عن زعماء منظمات انفصالية نفذوا عمليات قتل وزرع الفتنة بين الشعب الواحد، ومع ذلك أيضا فازوا بالعفو الملكيّ وعاشوا حياة جديدة، بل إن أشهرهم لاذ والداه الى حضن الملك الحسين عام 1973، وقد شاهدت فيلما مصورا لوالدة ووالد عرّاب مقتل وصفي التل يقفون أمام الحسين وبجانبه الأمير الحسن، وحين حاول الأب رمي نفسه تحت أقدام الملك، فزع الحسين الى رفعه ومنحه عفواً عن ابنه.مع كل هذا لم يسمع الكثير من الأجيال المتأخرة عن تلك السماحة، ولم تكن هناك رقابة من منظمات حقوق الإنسان، فقط كانت إذاعات الأنظمة الدكتاتورية تشبع الأردن ردحا، وكل ما قدمه الأردنيون بمجموعهم وعسكرهم ذهب أدراج النسيان، لتخرج علينا فئات من أصلابنا تلعب بالبلد تحت مظلات التمويل والدفع بالأشخاص المغمورين ليرتادوا المناصب، وليتهم أفلحوا في إدارتهم العقيمة، واليوم أصبحت مؤسسات المجتمع المدني تهدد المجتمع، ولا نعترض عليها، صحة وعافية للبديل الوطني، بل هكذا منظمات تعتبر شكلاً من أشكال الرقابة في العالم المحترم، ولكن?أن تختص مؤسسات دولية بتهديد الحكومات عن طريق المؤسسات التابعة بتمويلها، فتلك لعبة خطرة.الفساد بلا شك موجود بيننا وعند أكبر دول العالم، غنيها وفقيرها، وكسر ميزان العدالة موجود عندنا وعند عالمنا المشرقي بما يرُى وبما لا يرُى، والفساد الماليّ والإدارّي والقانونيّ هو القنبلة الموقوتة التي تنتظر انفجارا لا يحمد، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه كل مرة: لماذا الأردن تحديدا هو العيّنة الجذابة للمنظمات التي تطرح نفسها بديلا عن الحكومات أو مؤسسات الرقاب، وتفند الأردن، حسب المعلومات الواردة اليها، على أنه الأسهل في انكشاف ظهره، عبر مراسلات داخلية تُزف خارجياً تحت مسمى «تقرّير ظل"؟هنا لا أدافع عن الحكومات، ولا أتهم المنظمات، فتلك لعبة الغرف السوداء، ولكن يجب أن ندافع عن الدولة، فعندما دعم الرئيس الأميركي دونالد ترمب مناصريه لاقتحام مبنى الكابيتول وهدد وتوعد، ظهر للمجتمع الأميركي وحش الانفصال، وتاريخ الحروب الدامية بين الشمال والجنوب، وارتعد الأذكياء خشية على الدستور والقانون، ثم انطفأت الشرارة ولم يحاكم أحد بناء على ما فعل، مع أن الولايات المتحدة تحوي أكبر منظمات حقوق الإنسان والرقابة الدولية، ولم توجه أي منها الاتهامات للرؤساء أو القيادات العسكرية التي دمرت دولاً كانت مكتفية وتركته? يباباً.مناسبة القول، إنه وردني عبر البريد الإلكتروني رسالة من منظمة (مشروع العدالة العالمية، WJB) في واشنطن، تحت عنوان (سيادة القانون في الأردن) حيث كشف تقريرها أن النتيجة الإجمالية في مؤشر سيادة القانون سجل انخفاضا بنسبة 1.8% في الأردن هذا العام، ليتراجع الى المرتبة 61 من بين 140 دولة حول العالم، لمركزين منذ العام الماضي.فيما احتل الأردن المرتبة 2 من أصل 8 دول في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وكانت الإمارات المتحدة في المرتبة الأولى، وحصلت على المرتبة 37 من أصل 140 عالميا، تليها الأردن وتونس، وجاءت أدنى الدرجات في المنطقة من حصة لبنان وإيران ومصر في المرتبة 135 عالميا، وكشف التقرير تراجع معدل 7 دول من أصل 8 في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ومن ضمن الشريحة العليا للبلدان متوسطة الدخل، احتل الأردن المرتبة 17 من أصل 42، اللافت هنا أن منظمة مشروع العدالة العالمية، لم تنشر قائمة الدول الأخرى، رغم أن أن ترتيب الأردن جاء الثاني?بعد الإمارات.من هنا علينا أن نطالب حقيقة بتطبيقات القوانين بما يراعي العدالة، وعدم القفز عن حقوق الناس، وحفظ كرامة المواطنين، والشفافية التامة في تقديم المعلومات الحقيقية، ليس حباً بإرضاء منظمات دولية يشارك بها شخصيات ورؤساء عالميون كالمنظمة المذكورة أعلاه، ولكن حباً بوطن لا نريده مرتعا لإطالة اليد وضياعاً للحقوق.ROYAL430@HOTMAIL.COM
الأردن في عين العاصفة مجدداً
مدار الساعة (الرأي) ـ