لا مبالغة القول ان صيناً "جديدة/مختلفة" تم تكريسها بعد القرارات التي اتخذها مؤتمر الحزب الشيوعي الصيني الـ"20" الذي انتهى للتو، خاصة فوز الرئيس/شي جين بينغ بولاية ثالثة كأمين عام للحزب (ولاحقاً رئاسة ثالثة للبلاد في آذار المقبل) ناهيك عن التغييرات التي حدثت على صعيد عضوية اللجنة المركزية للحزب ومكتبه السياسي وخصوصا اللجنة الدائمة سباعية الأعضاء وعلى رأسها الرئيس شي.
واذا كانت ملابسات خروج/او إخراج الرئيس السابق هو جينتاو، قد اخذت حيزا من النقاش والقراءات المختلفة، سواء في ما خص السبب الذي ساقته بيجين حول تدهور صحة الرئيس السابق, ام لجهة قراءة روسِيّة مثيرة/ولافتة, بقدر ما هي مغايرة لكثير من التحليلات, وهو ما ذهبت اليه يلينا بانينا/السياسية الروسية وعضو البرلمان الاتحادي/ومديرة معهد الدراسات الاستراتيجية في السياسة والاقتصاد، التي اعتبرت (على قناة تيليغرام), ان الانتهاء من المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني, كان ضربة لأوكرانيا والجزء الموالي للغرب من الطبقة السياسية (الروسِية).. مضيفة: كان تعيين الشخصيات الرئيسية في بداية المؤتمر هو لعبته الرئيسية: هل سيتم الحفاظ على توازن القوى يبن مجموعة "جيش" شي جين بينغ, والمجموعة الموالية لأميركا بزعامة هو جينتاو؟. وفي النتيجة: تُواصِل بانينا: حقق "شي" انتصارا مدويا على مجموعة "كومسومول" الموالية لأميركا بقيادة الرئيس السابق "هو جينتاو". لم يُهزَم الاخير تنظيمياً فحسب، بل تم تدميره شخصيا ايضا, إذ تم إخراجه من قاعة المؤتمر قبل ختامه امام أعين العالم بأسره.ثم تمضي متسائلة: ماذا يعني هذا الآن؟ مُجيبة: انهيار "مَجموعته" التي اصبح مصيرها الآن في يد شي جين بينغ.. كاشفة النقاب عن مسألة عظيمة الاهمية قائلة: على الرغم من حقيقة ان "شي" قد ركّز ما يكفي من القوة في يديه، فان البنك المركزي الصيني (بنك الصين الشعبي) ووزارة المالية, كانا يتبعان وراء الكواليس "هو جينتاو"، الصديق الرئيسي للولايات المتحدة في الصين". (الترجمة عن الروسية للدكتور زياد الزبيدي).وبصرف النظر عن دقة او صحة ما ذهبت اليه السياسية الروسية/بانينا، فان مسألة إخراج هوجينتاو من القاعة وامام كاميرات تبث مباشرة وقائع الجلسة الختامية للمؤتمر, لن تسقط من التداول لفترة مُقبلة, وفقا للزاوية (السياسية) التي ينظر اليها المرء.ماذا عن احتمالات الصِدام الصيني/الأميركي حول تايوان؟لنبدأ من الصين.. ليس فقط في ما قاله الرئيس "شي" في حفل افتتاح مؤتمر الحزب الشيوعي (الاحد 16/10), عندما اعلن بحزم ان الصين "لن تتخلى عن مبدأ استخدام القوة لإعادة توحيد الصين, وعدم السماح للانفصاليين الذين يسعون للحصول على استقلال تايوان وردعهم. بل أيضاً عندما تم وضع هذا "النص" في ميثاق الحزب الشيوعي لاول مرة. ما غدا مُلزما لكل مؤسسات الدولة, إضافة الى التأكيد على استخدام القوة اذا لزم الامر. وهو ما تبدى في كلمة الرئيس "شي", عند اعلانه اختتام مؤتمر الحزب الشيوعي وتأكيده ضرورة امتلاك "جرأة الكفاح من اجل تحقيق النص".في المقلب الآخر لم تختلف المواقف المُتشددة الرافضة عودة تايوان للبر الصيني, كما جاء اول امس في دعوة تايوان الصين لـِ"التخلّي عن عقيدتها القديمة", وفق بيان مجلس الشؤون القارية في تايبيه, الذي اضاف "ندعو القيادة الجديدة للحكومة الشيوعية الصينية, الى التخلّي عن عقيدتها القديمة القائمة على الغزو والمواجهة، والى حلّ الخلافات بسبل سلمية وعادلة وواقعية".ولم تخرج واشنطن عن المسار ذاته الذي بدأه الرئيس بايدن, عندما أعلن اكثر من مرة ان بلاده ستدافع عسكريا عن تايوان، اذ حذر مدير العمليات البحرية الاميركية الادميرال/مايكل غيلداي من ان الصين "تحاول غزو تايوان" اعتبارا من العام الحالي (؟؟), مؤكدا ضرورة ان يكون الجيش الاميركي جاهزا للرد على ذلك, مُضيفا ان الامر لا يتعلّق فقط بما يقول الرئيس "شي"، بل يتعلق بكيفية تصرف الصينيين وما يفعلون، لافتا الى انه خلال العقدين الماضيين نفّذت بيجين كل وعودها في وقت أبكر مما تم الاعلان عنه، مُشيرا الى ان "القيادة في البنتاغون ليس لديها الكثير من الوقت لإجراء مناقشات.. نحن نتحدث عمّا يجب ان يكون لدينا حتى نردع ونُقاتِل وننتصِر".لا تغيب بالطبع تصريحات وزير الخارجية/بلينكن الذي كان سبق الادميرال غيلداي زاعماً أن الصين وضعت جدولا زمنيا اسرع بكثير للاستيلاء على تايوان، محذرا من ان الرئيس الصيني يتبع نهجا اكثر عدوانية، لافتا الى اننا "رأينا بروز صين مختلفة تماما في السنوات الاخيرة تحت قيادة شي جين بينغ, مُعتبرا ان هناك توجّهات قمعية أكثر في الداخل, وعدوانية اكثر في الخارج".بالإجمال.. علاقات البلدين سائرة الى مزيد من التأزّم والتصعيد. خاصة مع دخول الحرب الأوكرانية مُنعطفاً أكثر خطورة, يُنبِئ باحتمال الانزلاق الى مُواجهة بين روسيا والناتو.