مدار الساعة - ليث الجنيدي/ الأناضول - على تلة وسط مدينة الكرك جنوبي الأردن، تتربع المدرسة "الرشدية" شامخة ببنائها الذي مضى عليه 123 عاماً، لتحكي بتصميمها الفريد تاريخاً عميقاً.
بدأ إنشاء المدرسة عام 1893، وانتهى في 1899 كما تشير اللوحة الرخامية التي تعلو مدخلها، وما زال التعليم مستمراً فيها حتى الوقت الحاضر بمسمى "مدرسة الكرك الثانوية".وتنسب المدارس الرشدية إلى الطالب الرشيد وتشير إلى المرحلة التعليمية المتوسطة، وبنيت جميعها في عهد السلطان عبد المجيد بعد عام 1850، لكنها انتشرت في أماكن واسعة بالشرق الأوسط بعهد السلطان عبد الحميد الثاني.تتميز مدرسة الكرك عن سائر المدارس الرشدية بنمطها المعماري المميز، حيث يشير أرشيفها المحفوظ إلى أنه لا يشبهها في مباني الدولة العثمانية إلا المكتب الحربي في إسطنبول.مراسل الأناضول زار المدرسة واطلع على واقع بنائها الذي يروي كل حجر فيها عراقة التاريخ نافيا ادعاءات مؤرخين بأن الدولة العثمانية كانت تحارب التعليم في بلاد الشام.** أم المدارستتألف المدرسة من 14 غرفة صفية، وغرفة للمعلمين وإدارة للمدرسة وتتوزع على طابقين وتبلغ مساحتها الإجمالية نحو 2500 متراً مربعاً ويقتصر التعليم فيها على طلبة المرحلة الثانوية وعددهم 230 طالباً.ويدلّل على عراقة المدرسة شعار السلالة العثمانية، إضافة إلى سجل زيارات يعود للعام 1922 وختم حديدي نقش عليه "مدرسة الكرك" باللغة العربية.وروعي في أسلوب البناء الاستثمار النوعي للبيئة، ودوران الأرض مع الشمس، إذ أن نوافذها تتيح دخول الضوء إلى المدرسة فقط وليس الأشعة الضارة، لضمان استمرار عملية التعليم فيها في كل الأوقات.وقال مدير المدرسة صلاح الشمايلة إنها "تعتبر أم المدارس في الأردن والكرك بشكل خاص، وبنيت في العهد العثماني بجهد مجتمعي وشعبي، وكانت تحتوي على المرحلتين الأساسية والرشدية".وأضاف للأناضول: "هذه المدرسة سبقت قيام الدولة الأردنية بفترة لا تقل عن 30 عاماً، وقدمت للوطن قيادات ساهمت في بناء الدولة الأردنية على مختلف الصعد، السياسية والعسكرية حتى الفنية".وتابع: "تحتوي على 14 غرفة صفية ومختبرات الحاسوب والعلوم والمكتبة، ويوجد فيها 50 ألف وثيقة تم أرشفة 4500 منها بالتعاون مع المركز الملكي للتوثيق ووزارة التربية والتعليم".وأردف الشمايلة: "تحتوي المدرسة على سجل الزيارات منذ تأسيس الإمارة عام 1922 ولغاية الآن، ويوجد فيها ختم الإمارة وهو في عهدة المدرسة".وبدوره، قال نزار المجالي مسؤول الأرشيف بالمدرسة إن "المدرسة تضم جدارية أرشيفية تعود لمئة عام، وتوثق بأن 5 رؤساء حكومات أردنيين كانوا معلمين أو طلاباً فيها".ومن أبرزهم: "هزاع المجالي، ووصفي التل، وبهجت التلهوني، وعبد السلام المجالي، ومضر بدران".
** مستقبل واعدوذكر جنكيز إر أوغلو مدير معهد يونس إمرة التركي بالأردن أن "المدرسة الرشدية بالكرك من أقدم المدارس بالمنطقة وبنيت في عهد الدولة العثمانية لكن تختلف عن الأخريات بأسلوبها البنائي الفريد".وأضاف للأناضول: "صلابة البناء تؤكد حرصاً تاريخياً على ضمان وأهمية استمرار العملية التعليمية، وهي بصورتها الحالية مهيئة للتدريس لعقود طويلة رغم التأكيد على ضرورة صيانتها الدورية".ولفت إلى أن "مدرسة الكرك هي المدرسة الرشدية الثانية بالأردن، إضافة إلى أخرى موجودة في محافظة إربد شمالي المملكة".وأوضح إر أوغلو أن "مدرسة الكرك هي أول مدرسة يشارك الشعب في بنائها مع الحكومة في ذلك الوقت، وهو ما يشير لمستوى التنسيق والتوافق واهتمام الحكومة بالتعليم في المنطقة".**إدراجها على قائمة التراث الرئيسية في العالم الإسلاميووافقت منظمة العالم الإسلامي للتربية والثقافة والعلوم (أيسيسكو) على إدراج المدرسة على القائمة الرئيسية لمواقع التراث في العالم الإسلامي، وفق كتب رسمية اطلعت عليها الأناضول، حيث سيتم في الـ25 من الشهر الجاري إقامة احتفالية رسمية بهذه المناسبة.وفي السياق ذاته، قال حسين محادين، أستاذ علم الاجتماع في جامعة مؤتة (حكومية)، والعضو السابق في مجلس محافظة الكرك، للأناضول: "إن هذا القرار يمثل توكيداً مضافاً على قيمة وأدوار المدرسة التعليمية والتنموية، استناداً إلى ريادة بنائها في العهد العثماني، واستمرار دعمها من قبل الدولة الأردنية".وتوجد بالأردن 15 مدرسة تعد هي الأقدم تاريخيا بالبلاد، وتتوزع على مختلف محافظات المملكة ويتراوح تاريخ إنشاؤها بين 1899 و1923، إلا أن المدرستين الرشدية في إربد والكرك هما الأقدم، إضافة إلى مدرسة وادي السير بالعاصمة عمان.وكان الأردن تابعا للدولة العثمانية من عام 1516 إلى 1918، وتكون من مقاطعات تتبع حينها لولاية دمشق.