قبل أربعة أيام فقط من انعقاد المؤتمر الـ «20» للحزب الشيوعي الصيني الذي يبدأ اليوم الأحد، طرحت إدارة بايدن «استراتيجية رسمية للأمن القومي الأميركي» لأول مرّة منذ دخوله الى البيت الأبيض رئيساً (20 كانون الثاني/2021)، في توقيت أثار انتباه الدوائر السياسية والدبلوماسية وتلك المختصة في القضايا الجيوسياسية. التي بدأت تفرض نفسها على نحو غير مسبوق منذ 24 شباط من هذا العام. ليس فقط كونه اليوم الذي بدأت فيه العملية العسكرية الروسية الخاصّة, بعد الرفض الأميركي/والناتو للمطالب الأمنية التي تقدّمت بها موسكو. خاصّة في ما يتعلّق بعدم تمدّد حلف الناتو باتجاه الحدود الروسية.
الأمر الذي أخذ أبعاداً دولية حذِرة ولافتة، كون إدارة بايدن هي امتداد «طبيعي» في رؤيتها الاستراتيجية لإدارة أوباما التي اعتبرت/وشرعت في نقل قواتها الاستراتيجية نحو المحيط الهادئ/كما الهندي لاحقاً, أو ما تمّ وصفه بـ«الانعطاف شرقاً», باعتبار ان الصراع سيكون في تلك المنطقة التي تبرز فيها الصين «منافساً» اقتصاديّاً شرساً. وعلى نحو خاص في تعاظم قواها العسكرية تحديثاً وعديداً ونوعيّاً, وبخاصّة قواتها البحرية التي دفعت الولايات المتحدة في إطار مساعيها لـ«احتواء الصين», الى بناء تحالفات عسكرية جمعت الهند واستراليا واليابان (رباعية كواد), وبخاصّة حلف «أوكوس» الثلاثي, الذي ضم الى جانب الولايات المتحدة، بريطانيا واستراليا (حيث الأخيرة ألغت صفقة غواصات فرنسية, واستبدلتها بصفقة غواصات «نووية» أميركية. ما عكس من جملة أمور أخرى, رغبة أميركية بإحكام «الطوق» حول الصين. على النحو الذي مارسته وطبّقته تجاه روسيا عبر توسيع الناتو، والذي أوصل العالم الآن على شفا حرب عالمية ثالثة محمولة على بُعد نووي. لم تكن صدفة والحال هذه بدء حلف الناتو مناورات نووية بهدف اختبار ترسانته النووية, في وقت رام فيه إرسال رسالة الى موسكو, تقول إنه عازم على عدم السماح لها بالانتصار في حربها ضد القوى النازية الحاكمة في كييف. لأنه يعتبر أن «هزيمة أوكرانيا هي هزيمة للناتو» على ما قال أمين عام الناتو النرويجي وأحد صقور حزب الحرب فيه/ستولتنبرغ مؤخّراً.ما علينا...وثيقة الأمن القومي الأميركي الأخيرة (نسخة بايدن) التي تقع في 48 صفحة, ترى في الصين «التهديد الأول» للهيمنة الأميركية على العالم, والتي بدأت مباشرة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي, مُعتبرة (الوثيقة الأميركية) ان العقد الحالي سيكون مٍفصلياً بالنسبة لأميركا وحلفائها في مواجهة الدول المنافسة (ترِد في الوثيقة الدول التسلطية/الاستبدادية), وعلى رأسها الصين. فيما ترى في روسيا دولة «شديدة الخطورة» رغم محاولاتها الغمز من قناة روسيا الاتحادية, واعتبار ان الحرب الدائرة الآن في أوكرانيا قد كشفت عن «ثغرات جوهرية» في القوة العسكرية الروسية. دون إهمال الجوانب الأخرى عبر تركيز واشنطن على احتواء الصين, خاصّة في المجالات غير العسكرية كالاقتصاد والتحدّيات الصِحية ومعادلة التحالفات في المنطقة وخصوصاً «تايوان», التي سمّمت علاقات البلدين وأوصلتها الى درك غير مسبوق من التوتر, ما ترك احتمالات التدحرج الى مواجهة عسكرية مفتوحة على أمدية عديدة, بعدما قال بايدن في تصريحات لم تكن زلات لسان, بأن «واشنطن ستدافع عسكرياً عن تايوان» (في وقت واصل فيها ناطقو البيت الأبيض والبنتاغون والخارجية الأميركية, الزعم بأن بلادهم لم تتنصّل من مبدأ «صين واحدة", الذي التزمته الإدارات الأميركية المتعاقبة منذ خمسة عقود تقريباً.ماذا عن مؤتمر الحزب الشيوعي الصيني؟يُنظر «عالميا كما صينياً أيضا» الى هذا المؤتمر على أنه مؤتمر حاسم وغير مسبوق, سواء في قراراته أم في القيادة التي ستدير الصين. كما ان التسريبات والاشاعات تبدو معنية بالحدث الأبرز المُتمثّل في التجديد لولاية «ثالثة» للرئيس الحالي/شي جين بينغ بعد ان انتهاء ولايتيه (2012 – 2022... خمس سنوات لكل ولاية). ما يعكس من بين أمور أخرى, مدى وحجم النفوذ الذي يتمتّع الزعيم «شي», حيث لم يسبِق أن تم التجديد للرؤساء الصينيين السابقين لولاية ثالثة, منذ عهد الزعيم الإصلاحي/دينغ هيساو بينغ, وتحديداً منذ عام/1993 عندما تولى «جيانغ زيمين» الحكم الى عام 2003, ثم خلفَه «هو جنتاو» 2003-2013 وحلّ شي جين بينغ في العام نفسه رئيساً حتى الآن. وإن كان ثمّة كثيرون يرون اختلافاً جوهرياً في شخصية/وتاريخ «شي» عن سابقيه, على نحو يضعونه في مرتبة المؤسس والقائد الأول لجمهورية الصين الشعبية/ ماوتسي تونغ, والثاني/دينغ هيساو بينغ الزعيم الإصلاحي, الذي يُعزا اليه فضل تكريس مفهوم «الإشتراكية ذات الخصائص الصينية", فيما يرون أن «شي» يُقدّم الايديولوجيا على السياسة, ويمنح الأولوية للتنمية الداخلية ورفع مستوى معيشة المواطن الصيني, على العوامل الخارجية (دون إهمالها) وهو ما تبدّى في انتشال «800» مليون صيني من تحت خط الفقر.