لم تكد ناطقة البيت الأبيض، كما ناطق البنتاغون «تطويق» التصريحات «النارِيّة» التي أطلقها الرئيس الأميركي/ جو بايدن حول اقتراب حدوث «هِرمِجدون نوّوية» (أي الحرب النهائية معركة يوم القيامة ونهاية العالم في التفسيرات الدينية المسيحية واليهودية)، حتى خرج، على العالم أمين عام حلف الناتو وأحد أبرز زعماء «حزب الحرب» في الحلف «النرويجي/ستولتنبرغ» ليقول في غطرسة واستعلاء: «إن هزيمة أوكرانيا تعني هزيمة الناتو»، ما يعني من بين أمور أخرى تزايد انخراط الناتو في الحرب الاوكرانية، بل هو شريك فيها منذ ما قبل يوم 24/شباط الماضي، بما هو اليوم الذي بدأت فيه العملية العسكرية الروسية الخاصة، عندما حرّض الناتو/وواشنطن نظام زيلنسكي على عدم تنفيذ ما ورد في اتفاق مينسك الأول والثاني، وتنكّر فرنسا وألمانيا لتعهداتهما في رباعية نورماندي، التي ضمّت بالإضافة إليهما روسيا وأوكرانيا، ما أَوصلَ الأمور إلى نقطة اللاعودة، فضلاً عن تزامنها مع رفض الناتو وخصوصاً الولايات المتحدة تقديم الضمانات الأمنِيّة التي طالبت بها موسكو، في رفض مُتغطرس لوقف زحف الناتو باتجاه الحدود الروسية عبر ضم «ما تبقىّ» من دول أوروبا الشرقية وعلى رأسها أُوكرانيا إضافة بالطبع إلى مولدوفا وجورجيا، ما يُحكِم الطوق «الكامل» على روسيا، خاصة بعد طَلبِ فنلندا والسويد الانضمام إلى الناتو، ما يمنح الأخير حدوداً تزيد على ألف كيلومتر مع روسيا، ناهيك عن تحوّل بحر البلطيق إلى «بحيرة أطلسية» وإحكام الحصار على جيب كالينينغراد الروسي الذي هو مقر الأسطول الروسي في بحر البلطيق.
لم يكتفِ أمين الناتو بالتصريحات المُتطرفة التي أدلى بها والتي تستبطن إصرار الناتو على هزيمة روسيا، بل أعلن إجراء تدريبات ميدانية لتعزيز الردع النووي للحلف، محمولاً (تصريحه) على مزيد من الاستفزاز، عندما هدَّد بأن أي «هجوم روسي مُتعمّد على البنية التحتية الحيوية للحلفاء، سيقُابل برد مُوحّد وحازم». زدّ على ذلك ما انتهت إليه قمة G7 الافتراضية، التي يُواصل قادتها (بما هم مجلس إدارة العالم) توجيه الإنذارات والتهديدات إلى كل من يتمرّد عليهم، أو يسعى إلى عالم مُتعدد الأقطاب، مُتعهدين بوقاحة المُستعمِرين المعروفة بـ"مُحاسبة بوتين»، وكأن الأخير زعيم دولة «فاشلة» من دول العالم الثالث، أو زعيم عصابة أو تنظيم إرهابي، وليس زعيم دولة نووية عظمى. كانت (للتذكير فقط) عضواً في المجموعة ذاتها التي حملت اسم G8، قبل ان يُقرَّر المستعمِرون السبعة «طرد» روسيا منها، التي عقَّبتْ على ذلك بلامبالاة، عندما قالت إنها «لن تخسرَ كثيراً بفقدان عضويتها في المجموعة هذه».وإذ بدا الرئيس الأميركي مُتراجعاً عن تصريحاته حول «هِرمِجدون نووية» عندما قال الثلاثاء الماضي 11/10 في مقابلة مع شبكة CNN الأميركية، إنه «لا يعتقد أن الرئيس الروس فلاديمير بوتين سيستخدم سلاحاً نووياً تكتيكياً في الحرب مع أوكرانيا»، فإن جوابه على سؤال حول ما إذا كان سيلتقي بوتين على هامش قمة «مجموعة G20» التي ستُعقد في اندونيسيا الشهر المقبل، أن «ليس لديه نِيّة للقاء كهذا»، لكنه لم يُغلّق الباب تماماً أمام حدث دراماتيكي كهذا عندما استطرد قائلاً: إن «الأمر مَرهون بالظروف»... ما يشي ولو في شكل ضعيف ومُبكر التكهّن حوله، بأن ثمّة جهوداً دبلوماسية تُبذل في الخفاء بهدف إعادة الاعتبار إلى الحلول السياسية والدبلوماسية الهادئة، خاصة بعد التطورات الأخيرة التي تمثّلت في الضربة الصاروخية الروسية المكثفة وغير المسبوقة، في اهدافها والمدن التي طالتها في اوكرانيا. ما اثار الفزع والحيرة في الدوائر السياسية وخصوصا العسكرية لدى الناتو والولايات المتحدة، التي انحصر رد فِعلها في تأكيد تواصُل الدعم العسكري لكييف، والتزام تزويدها بأنظمة دفاع جوي متطورة، على النحو الذي فعلته المانيا ايضا.في السطر الاخير صقور (حزب الحرب) في البنتاغون، كما في حلف شمال الاطلسي، يُواصلون حملات التحريض وبثّ المزيد من الاستفزازات والتصريحات المُتطرفة، التي لا تُسهم في تبريد الاجواء او تدفع باتجاه حلول سياسية لحرب اشعلوها هم، بعدما نجحوا في الهيمنة على القرار الاوكراني. ما أخذ المشهد إلى مرحلة يصعب على روسيا التراجع عنها بل هي اعلنتْ حتى بعد الضربة الصاروخية المكثفة، التي جاءت انتقاما لاستهداف جسر القرم في عملية ارهابية اشرف على تخطيطها والعقل المدبر لها - كما اعلنت موسكو الاربعاء 12/10 - هو رئيس الاستخبارات العسكرية الأوكرانية كيريل بودانوف، انها «لن تستخدم السلاح النووي التكتيكي كما الاستراتيجي، إلاّ لأغراض دفاعية حال تم تعريض وجود روسيا للخطر وليس غير ذلك». إضافة إلى تأكيدها أن العملية العسكرية الخاصة.. «مُستمِرّة حتى تحقيق أهدافها».kharroub@jpf.com.jo