الأردنّ إحدى أكثر الدول في المنطقة الّتي وضعت حكوماتها المختلفة خططاً إصلاحيّة في شتّى القطاعات، وغالبيّتها وضعت على الرفّ، في حين كانت النتائج مخيّبة لبعض الخطط الّتي أصابها الحظّ ونفذت وهي حالات قليلة.
الخطط الوحيدة الّتي نفّذت بكلّ حذافيرها وبنودها خلال السنوات الماضية كانت برامج التصحيح الاقتصاديّ الموقّعة مع صندوق النقد الدوليّ، حتّى بعض البرامج الّتي لم تستكمل كانت تنتهي باتّفاق جديد بين الجانبين لتأسيس حالة واتّفاق جديد لمرحلة مقبلة بمواصفات ومتطلّبات إصلاحيّة معيّنة ومحدّدة.قد يسأل سائل عن الأسباب الّتي تحول دون قيام الحكومات بتنفيذ الخطط الإصلاحيّة بالشكل المستهدف الّذي أقرّت عليه، وهو سؤال مشروع يدور في ذهن الكثير من المحلّلين والمراقبين للشأن المحلّيّ، خاصّة أنّ القضايا الّتي تعصف بالاقتصاد الوطنيّ باتت معلومة للكلّ ولا تحتاج إلى ذلك الكمّ من التنظير أو الاستكشاف.غياب الإدارة المؤسّسيّة في التعامل الحكوميّ مع مختلف الخطط والبرامج الإصلاحيّة التنمويّة كان أحد أسباب الإخفاق الرسميّ في إنجاز الخطط واستكمال تنفيذها وفق الشكل المخطّط، فكلّ حكومة تأتي يكون أولى أولويّاتها نسف ما قامت به الحكومة الّتي سبقتها، وهذا المشهد تكرّر بشكل مؤسف مع العديد من الخطط كما حدث في رؤية الأردنّ 2025، وخطّة التحفيز وبرنامج النهضة والأولويّات، وما إلى ذلك من برامج وخطط وضعتها حكومات، وأشهرتها في احتفالات إعلاميّة كبيرة، سرعان ما اختفى لمعانها مع مرو الأيّام وتغيير الحكومات.لا شكّ أنّ هناك أيضاً مزاجيّة عالية لدى المسؤولين في التعامل مع الخطط، وهذا سببه معروف جدّاً وهو غياب روح العمل بين أعضاء الحكومات، فليس شرطاً أنّه عندما يتبنّى وزير خطّة إصلاحيّة تنمويّة أن تنفذ بالشكل المطلوب، فقد تواجه بعرقلة من قبل زملائه الوزراء إمّا علناً أو بالكواليس يتمّ فرملتها، وهذا المشهد يفسّر جزءاً من تنامي نشوب الخلافات بين الوزراء في ذات الحكومة الواحدة.جزء كبير من هذه الخطط وتحديداً الّتي يتمّ وضعها في إطار داخليّ، وليس باتّفاق مع مؤسّسات دوليّة ومانحين يتمّ إعدادها بشكل منعزل عن الحكومة الّتي في الغالب تتطلّع على نتائجها وتوصياتها إمّا بالإعلام أو من خلال حفل الإشهار، فهي ليست وليدة من رحم النقاشات الوزاريّة الرسميّة والّتي تتناسب مع واقع المرحلة وتحدّياتها، فتولد غريبة وتموت غريبة، لا أحد يعلم كيف خرجت وكيف اختفت.قد يكون المشهد اليوم مختلفاً مع خطط رؤية التحديث الاقتصاديّ والإصلاح الإداريّ، والسبب في ذلك أنّ الفريق الحكوميّ كان منخرطاً منذ البدايات الأولى لإعداد تلك البرامج في تشكيلها، فكان مساهماً مع زملائه من الخبراء، ولا يمكن لأيّ وزير أن يتنصّل ممّا أقرّ اليوم في تلك الخطط، فالغالبيّة منهم كان مشاركاً بفاعليّة في كلّ الجلسات الحواريّة.الأهمّ من ذلك كلّه، أنّ مخرجات تلك الخطط بدت أكثر انسجاماً مع توجّهات الدولة الماليّة وخطّطها من خلال المخصّصات اللازمة لها في قانون الموازنة، بمعنى أنّ مخرجات تلك الخطط سيتمّ ترجمتها إلى أرقام في الموازنة، وبالتّالي سيكون هناك رصد وتقييم سنويّ وقصير الأجل لتلك الخطط.التنفيذ السليم للخطط التنمية كفيل بتصحيح المسار ومعالجة التشوّهات، وهذا كلّه مناط بوجود فريق حكوميّ قويّ ومنسجم تجاه تحقيق تلك الأهداف التنمويّة.