لم تتوقّف رئيسة الحكومة البريطانية/ ليز تراس، منذ وصولها «المفاجئ» للموقع الأول في المملكة المتحدة، عن إطلاق التصريحات المنحازة بوضوح لإسرائيل. ليس فقط في تعهداتها المُتكررة (والمُبكّرة) عن نقل السفارة البريطانية في تل أبيب إلى القدس المحتلة، بل خصوصاً في وصف نفسها يوم أول أمس الاثنين بأنها «صهيونية كبيرة» وانها ستُدافع عن إسرائيل، مُؤكدة في الوقت نفسه أنها «داعمة كبيرة لإسرائيل، مُتعهدة نقل العلاقة بين لندن وتل أبيب «من قوة إلى قوة».
تصريح كهذا وبكل ما يحمله من انحياز مطلق للاحتلال والعنصرية الصهيونية، وتَواصُل رفض بلادها الاعتذار عن وعد بلفور، وخصوصاً مواصلة الدعم السياسي والدبلوماسي والعسكري لدولة العدو الصهيوني. خاصة أنها (التصريحات) جاءت في حفل لجمعية «مجلس النواب اليهود البريطانيين» (...)، تميَّز خلاله الحفل بمزيد من التصريحات الحماسية للسيدة تراس، التي وجدت فيه فرصة أو محاولة للخروج من الأزمة الكبيرة التي تواجهها شخصياً، بعد فشل خطتها الاقتصادية وتراجُعها عنها، مُعتبرة أنها «تسرَّعت» في إعدادها، ما دفعها من بين أمور أخرى إلى إلغاء الضريبة التي فرضتها على الأثرياء، بزعم ان ذلك يزيد من معدلات التضخم. زدّ على ذلك ارتفاع نسبة البريطانيين الذين يطالبونها بالاستقالة، وهي التي لم يمضِ على وصولها إلى 10 داوننغ ستريت سوى شهر واحد.وإذ لم يُفوّت يهود بريطانيا كما اللوبي الصهيوني في المملكة المتحدة، فرصة وجود تراس كضيف شرف، في حفلهم المُبرمَج والمُخصص لممارسة المزيد من الضغوط على رئيسة الحكومة الجديدة، التي يبدو أن ثقتها بنفسها قد اهتزَّت، بعد أن بدت وكأنها تسير على نهج المرأة الحديدية السابقة (مرغريت تاتشر)، خاصة في انتهاج سياسة نيوليبرالية متوحشة، بالتنسيق مع حليفها في واشنطن دونالد ريغان، ومحاربتها أي تاتشر للنقابات العمالية وبخاصة عمّال السكك الحديدية وبيع مؤسسات القطاع العام، فقد ارتفعت دعوات النواب «اليهود البريطانيين» خلال الحفل حاثّة تراس على نقل السفارة البريطانية إلى القدس المحتلة، على ما قالت «رئيسة» مجلس النواب اليهود البريطانيين. كذلك جاءت مُطالبة السفيرة الإسرائيلية في بريطانيا الليكودية المتطرفة/ تسيبي حطوفلي (التي طَرَدها طلاب بريطانيون مناصرون للقضية الفلسطينية ومنعوها من إلقاء كلمتها في كلية لندن للاقتصاد أواخر العام الماضي)، إذ قالت حطوفلي أمام رئيسة الحكومة البريطانية: «لا يُمكن لشيء أن يكون أكثر أهمية لإظهار الصداقة بين بريطانيا واسرائيل مثل هذه الخطوة»..هنا والآن تحضر مقولة رئيس الدولة العظمى التي تزعم قيادة «العالم الحُر» المُدافع عن قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان والقانون الدولي، ونقصد الرئيس الأميركي جو بايدن، والتي «كرَّرها» في 14 تموز الماضي عند زيارته إسرائيل: «ليس عليك أن تكون يهودياً، لكي تكون صهيونياً.. أنا صهيوني».. لافتاً بزهو أن زيارته هذه تحمل الرقم «10» ومُعتبراً أن كل زيارة له لاسرائيل هي «نِعمة»، بل أن اسحق هيرتسوغ رئيس الكيان الصهيوني، وصَفَ بايدن خلال زيارته الأخيرة بانه مثابة «الأخ يوسف ابن يعقوب» خالعاً عليه صفة «الصديق الحقيقي الكبير» لإسرائيل.هنا وكما يبدو جليّاً يدخل قادة المعسكر الغربي في سباق لإظهار «صهيونيتهم»، التي تضمن لهم دعم يهود بلادهم كما يهود العالم وصهاينته لمستقبلهم السياسي، على النحو الذي نراه في الدول الأوروبية التي تعتبر أي انتقاد للصهيونية (بما هي حركة سياسية/ ايديولوجية) أو «إسرائيل» انتقاداً للأخيرة، كما يندرج ذلك الانتقاد في اطار العِداء للسامية، خصوصاً بعدما تم سنّ قوانين تُعاقب بالسجن والغرامة كل مَن يقوم بذلك في كل من ألمانيا وفرنسا. كذلك تستدعي موجة الصهّينة التي تمر بها أوروبا، العودة إلى قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 3379 الصادر في العاشر من تشرين الثاني 1975، الذي يُقرّ بأن الصهيونية شكل من أشكال العنصرية. إذ صوتت لصالحه «72» دولة في مقابل 35 ضده وامتناع 32.. لكن ومع الاختلالات الكبيرة في موازين القوى ومعادلة التحالفات والاصطفافات التي نشأت بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وتفكّك منظومة الدول الاشتراكية وتصدع الصفوف العربية، خصوصاً بعد مؤتمر مدريد في مثل هذه الأيام 30/10/1991.. اغتنم صهاينة الشرق والغرب الفرصة وسجّلوا نصراً غير مسبوق في الأمم المتحدة، عبر إلغاء القرار السابق/3379 حيث صوّت لصالح الإلغاء «111» دولة في مقابل 25 ضده وغياب 15 دولة منها 8 دول «عربية» وامتناع 12 دولة..فكيف إذاً للسيدة تراس أن تخشى «الجهَرَ» بصهيونيتها «الكبيرة»؟kharroub@jpf.com.jo