اخبار الاردن اقتصاديات دوليات جامعات وفيات برلمانيات احزاب وظائف للاردنيين رياضة أسرار و مجالس مقالات مختارة مقالات تبليغات قضائية مناسبات جاهات واعراس مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة كاريكاتير رفوف المكتبات طقس اليوم

المجلس الابيض


عبدالهادي راجي المجالي
abdelhadi18@yahoo.com

المجلس الابيض

مدار الساعة (الرأي) ـ نشر في 2022/10/03 الساعة 00:40
تابعت الانتخابات الكويتية على التلفاز.. وما لفت انتباهي أن مجلسهم (أبيض), بمعنى: أنه لا يوجد أعضاء في المجلس يرتدون ربطات العنق من نوع (هيرمس), لا يوجد بدلات فاخرة من ماركة (فانجلز), لا يوجد في الأكف (كافلنجز ذهبية) تظهر الشاشات لمعتها حين يرفع النائب يده لتقديم مداخلة... جميعهم يرتدون (الدشاديش).. و(الدشاديش) في الكويت تفصل محليا وتباع محليا, ولا تستورد من لندن أو ايطاليا.
مع أنها دولة نفطية وثرية, ويستطيع السادة النواب فيها الدخول بالسيجار الفاخر, يستطيعون عقد اجتماعاتهم عبر تقنية (الزووم).. يستطيعون أيضا أن يشتروا لوحات (دافنشي) كلها ويضعونها على جدران المجلس, يستطيعون أيضا أن يصنعوا اللوحات من الذهب الخالص.. لكنهم لم يفعلوا كل ذلك.
حتى الجيل الجديد في الكويت والذي تعلم في (هارفارد) و(لندن سكول), وتلقى دورات متقدمة في (جورج تاون), حين يعود إلى العاصمة, يرتدي الدشداشة, وإذا حضر مناسبة وطنية أو عرسا أو مأتما وجاء بالبدلة سيعتبر منظره نشازا.
الانتخابات لا تفرز نوابا, الأصل أن تفرز اعتداداً وطنياً... لاحظوا صور الناس الذين خاضوها والتي فردت في الشوارع, لا يوجد فيها صورة لمرشح واحد من دون الشماغ والعقال.. لو فعل ذلك ربما لرسب في الانتخابات.
هل قلت (اعتدادا وطنيا), هذا ما انتجته الكويت بعد الغزو الذي تعرضت له, لقد وجهت عبر برامجها التعليمية وتربيتها واعلامها ونخبها لإنتاج مشروع جديد يرسخ مداميك الدولة ويرسخ الهوية الكويتية, ويعيد بناءها من جديد على أسس قومية واسلامية ووطنية على أسس خدمة الأمة وليس الانسلاخ منها, وعلى أسس بناء معارضة ذات برامج, من دون ترف سياسي.
الانتخابات الأخيرة, قرأنا القشور:.. معارضة, ديمقراطية, شفافية.. ونسينا ملمح الهوية الكويتية فالدشداشة ليست زيا وإنما هي تعبيرات الهوية, والسلوك الشعبي الكويتي لا يوجد فيه أصوات ما يسمى بمؤسسات المجتمع المدني, أو جمعيات ممولة من السفارات.. بل يوجد فيه الصحراء والبحر, لقد ظل الكويتي على مدى حياته منذ زمن (فهد العسكر) مصرا على ثنائية الهوية الجغرافية الممتدة بين رمل الصحراء وبين البحر..
الكويت دولة ثرية, تستطيع أن تستورد جامعة (جورج تاون), تستطيع أن تشتري نصف النوادي الإنجليزية, وتستطيع أيضا أن تمتلك شارع (ايجور رود) في لندن, لكنها لم تفعل كل ذلك بقيت مصرة على العروبة, والرفض, ونصرة القضية الفلسطينية.. ودعم الأمة الإسلامية.
السبب بسيط وهو أنها دولة فهمت معنى الهوية وتمسكت فيها.. وفهمت معنى الجملة التالية: الهوية تصنع وطنا بالمقابل الأوطان لا تصنع هوية..
لهذا مجلس نوابهم (ابيض) يجتاحه اللون الأبيض دائما.. مثل قلوبهم.
شكرا للكويت التي تقدم لعالمنا العربي درسا في معنى الهوية.
مدار الساعة (الرأي) ـ نشر في 2022/10/03 الساعة 00:40