ما تزال أصداء الخطاب «الصاخِب» في تداعياته ومُرتكزاته الجيوسياسية والقِيمية/الحضارية, الذي ألقاه الرئيس الروسي/بوتين في حفل التوقيع على وثائق ضمّ أربعة أقاليم أوكرانية (ذات أغلبية سكانية روسِية ساحقة), تتردد في جنبات المشهد الدولي وبخاصة في الولايات المتحدة وبريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي.
وإذ خضع الخِطاب لقراءات مُعمّقة في الدوائر السياسية والاستخبارية الأميركية والأوروبية، إضافة إلى المؤسسة العسكرية في تلك البلدان، حيث انطوى خطاب بوتين على تلويح بل تصميم على مواصلة العملية العسكرية الروسية الخاصة (والتي قد تحمل لاحقاً اسماً «كودِياً» جديداً، بعدما باتت حدود روسيا الجديدة (إثر الضمّ) على تماس مباشر مع حدود أوكرانيا).فإن التصويت في مجلس الأمن على مشروع القرار الذي قدمته الولايات المتحدة وألبانيا, عكسَ (التصويت) من بين أمور أخرى طبيعة الاصطفافات والتحالفات (غير النهائية بالطبع) التي كرَّستها الأزمة الأوكرانية منذ 24 شباط حتى الآن. والمُرشحة للتغيير حدود الانقلاب إذا ما طرأ أي تغيير دراماتيكي على موازين القوى, خاصة حال دخول السلاح النووي المعارك الدائرة الآن, ما قد يستدرج دولاً نووية أخرى كالولايات المتحدة وبريطانيا, التي باتت رئيسة وزراء الأخيرة تواجه أزمة داخلية «بطابع اقتصادي»، قد تجد فرصة في تصديرها عبر الانخراط «المباشر» في الحرب الأوكرانية.أربع دول هي الصين, الهند والبرازيل إضافة إلى دولة الغابون الإفريقية, اختارت «الامتناع» عن التصويت. والامتناع في تفسيره الاصطلاحي أقرب إلى «الرفض» الذي يُسهِم أحياناً في عدم توفير العدد «10», اللازم لتمرير القرار عندما لا تستخدِم دولة من الدول الخمس دائمة العضوية في المجلس «الفيتو». هذا ما حدث في جلسة الجمعة الماضي, عندما أحبط المندوب الروسي مشروع القرار الأميركي/الألباني, الذي «حشدَ» عشرة أعضاء لتمرير قراره لكن الفيتو الروسي كان بالمرصاد.. فأطاحه.ثلاث من الدول التي امتنعت عن التصويت هي أعضاء في مجموعة «بريكس» الخماسية, التي تضم إضافة إلى الصين والهند والبرازيل.. روسيا وجنوب إفريقيا, ونحسب انها رسالة واضحة المقاصد والأهداف السياسية, رغم كل الجهود والضغوط والحملات الإعلامية ذات المحتوى التضليلي, الذي قادته الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة, التي لم تتورع عن اتهام الصين بأنها تقف «في الجانب الخاطئ من التاريخ", ناهيك عن الضغوط الأميركية التي لم تتوقّف على الهند في محاولة لمنعها من شراء النفط الروسي وخصوصاً الأسلحة الروسية, حيث أعلنت نيودلهي أنها تضع مصالحها أولوية على أي اعتبار. ناهيك عن البرازيل التي يحكمها «ترمب الإستوائي» وهو اللقب الذي يُطلق على الرئيس المنتهية ولايته، بولسونارو (المتوقع ان يكون خسِر انتخابات أمس/الأحد في مواجهة الرئيس الأسبق لولا دي سيلفا). بولسونارو أيضاً لم يتجاوَب مع الضغوط الأميركية, مُبقياً على علاقاتة جيدة مع بوتين.المندوب الصيني في كلمة ألقاها خلال مناقشة المشروع الأميركي/الألباني, لفت إلى أن بلاده تُعارض أي مسّ بسيادة الدول, إلا أنه أشار إلى «ضرورة أخذ مصالح دول الجوار بعين الاعتبار", ومعروف أنه لا يستطيع مُعارَضة/أو استخدام الفيتو ضد مشروع القرار المطروح, لأسباب تتعلق بـ"الملف التايواني» الذي يتصدّر جدول الأعمال الصيني, خاصة بعد زيارة نانسي بيلوسي للجزيرة المُتمردة, وإعلان بايدن أن الولايات المتحدة ستُدافع عن تايوان «عسكرياً». ناهيك عن بروز دعوات غربية/أميركية لإجراء «استفتاء» في تايوان, لاختيار «الاستقلال» أو العودة للصين.ماذا عن إسرائيل؟ليس مُفاجئاً مسارَعة وزارة الخارجية الصهيونية يوم 30 أيلول الماضي, لإعلان «دعمها سيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها», مُضيفة «بأنها لن تعترف بضم المقاطعات الأربع من قبل روسيا».تل أبيب بموقفها هذا تتماهى تماماً مع السياسة الأميركية/الأوروبية وتعلِن اصطفافها إلى جانبهما, مُسقطة محاولاتها السابقة إمساك العصا من المنتصف, على النحو الذي سار عليه «نفتالي بينيت» عند اندلاع الحرب, ومحاولته «التوسّط» بين موسكو/وكييف, وإن كان وزير خارجيته/رئيس الوزراء الحالي لبيد, كان أصدر بياناً شديد اللهجة اتهم فيه موسكو بارتكاب «جرائم حرب» في أوكرانيا. الأمر الذي يأتي الآن مُنسجماً مع طروحات ومواقف هذا الفاشي الصهيوني, الذي ارتكب جرائم حرب وأُخرى ضد الإنسانية, في قطاع غزة خلال شهر آب الماضي, ما أدّى إلى استشهاد 45 فلسطينياً بينهم 15 طفلاً و4 سيدات واصابة 3600 شخص. دونما أي سبب أو مُبرر, فقط من أجل رفع أسهُم حزبه في انتخابات الأول من تشرين الثاني/الوشيك.كذلك.. يُعيد موقف إسرائيل الحاد/والحاسم, الرافض قرار موسكو ضم تلك الأقاليم, السؤال الذي لم يتوقّف كثيرون عن طرحه: أيهما يتبَع/يتحكّم بالآخر؟ إسرائيل بالولايات المتحدة أم أن الأخيرة هي صاحبة القرار الأخير في النهاية؟. أما الجواب فأكّدته وقائع كثيرة قالت: إن إسرائيل لا تعدو كونها مَخفراً متقدماً للغرب, وقاعدة عسكرية لواشنطن وبالتالي حلف الناتو. وهو الذي «رُبما» باتت موسكو.. تُدرِكه.kharroub@jpf.com.jo