رغم كل التحديات الداخلية والإقليمية والدولية، وضبابية المشهد العام وحالة عدم اليقين التي تسود وتسيطر على المنطقة، حقق الاقتصاد الأردني نمواً إيجابياً يعطي دلالات مهمة إذا ما استمر العمل بذات الوتيرة.
الربع الثاني من هذا العام شهد نمواً بلغت نسبته 2.9 % مقارنة بالربع الثاني من عام 2021.وهذه النسبة قد تكون أعلى نسبة نمو ربعي تحقق خلال السنوات الخمس الماضية، وهي أعلى من المعدل العام المقدر للنمو في سنة 2022 والبالغة نسبته ما يقارب الـ2.5 %.أسباب النمو الإيجابي في الربع الثاني كما أظهرتها بيانات الإحصاءات العامة الأخيرة كشفت النقاب بأن هناك قطاعات اقتصادية قد حققت نمواً خلال الربع الثاني من عام 2022 مقارنة بالربع الثاني من عام 2021، وبشكل أعلى مما كان مقدراً، مدفوعاً بنمو الصادرات الوطنية والتي سجلت نمواً كبيراً خلال الشهور السبعة الأولى من هذا العام بنسبة تجاوزت الـ46 %.القطاعات التي قادت النمو الاقتصادي في الربع الثاني كانت في قطاع الصناعات الاستخراجية الذي حقق أعلى معدل نمو خلال هذه الفترة بلغت نسبته 7.4 % مساهماً بمقدار 0.19 نقطة مئوية من معدل النمو المتحقق، ثم قطاع الإنشاءات بنسبة بلغت 4.9 % وساهم بما مقداره 0.14 نقطة مئوية، تلاه قطاع النقل والتخزين والاتصالات بنسبة 4.5 % مساهم بمقدار 0.38 نقطة مئوية، ثم قطاع تجارة الجملة والتجزئة والفنادق والمطاعم بنسبة 3.9 % وساهم بما مقداره 0.35 نقطة مئوية من معدل النمو المتحقق.صحيح أن معدل 2.9 % إيجابياً ولكنه يبقى في إطار النمو المتواضع أو المتباطئ إن جاز لنا التعبير، لكن اتجاهه الصعودي مؤشر إيجابي للغاية على استدامته ومواصلته للنمو المستهدف شريطة استمرار عمليات الإصلاح المنشود، لأن النسب الحالية المتحققة هي نسب متواضعة مقارنة عما تحتاجه العملية الاقتصادية التنموية في المملكة من معدلات نمو أعلى من هذه النسب الإيجابية التي ما تزال تصنف تحت وصف” النمو المتباطئ”، أي هناك نمو إيجابي لكنه غير قادر على تلبية احتياجات التنمية ومواجهة التحديات الجسيمة التي تعصف بالاقتصاد الوطني خاصة في ما يتعلق بارتفاع غير مسبوق لمعدلات البطالة (23 %) والفقر (28 %).عودة الاقتصاد الوطني لمسار النمو الإيجابي خطوة أولى نحو التعافي المنشود، الذي يتطلب من الحكومة وبالشراكة الفعلية مع القطاع الخاص النهوض بالعملية الإنتاجية والاستثمارية وتحفيز الاستهلاك والطلب المحلي وزيادة الصادرات حتى يكون هناك نمو إيجابي يتجاوز الـ5 % كحد أدنى يكون قادراً في الفترة الأولى على خلق فرص عمل جديدة.النمو الاقتصادي المتباطئ الذي يكون بحدود الـ2 % والذي شكل غالبية هيكل النمو للسنوات العشر الماضية يعني ببساطة أن قدرة الاقتصاد على خلق فرص عمل لا تتجاوز في مجملها الـ20 ألف فرصة عمل، أكثر من 60 % منها ينتجه القطاع الخاص، فيما لا تتجاوز قدرة القطاع العام على التعيينات ما بين (5-6) آلاف وظيفة في العام، وهذا فعلاً الآن، بينما عدد الخريجين الذين يدخلون سوق العمل يناهز الـ156ألف خريج، منهم 88 ألف خريج جامعي بمختلف المستويات.الأرقام السابقة هي أرقام مرعبة لراسم السياسة الاقتصادية الذي يتطلب منه التوجه بفكره الاقتصادي نحو تحفيز القطاع الخاص وجذب الاستثمار الحقيقي للمملكة وتوفير مظلة متكاملة من الإعفاءات والتسهيلات للمستثمرين، مع ربط تلك الحوافز والإعفاءات بالتشغيل والتوظيف والتأهيل للأردنيين للانخراط في سوق العمل، فالأسواق الخليجية لم تعد تستقبل عمالاً جدداً بسبب سياسات التشغيل الخاصة بها والتي تعطي أولوية لمواطنيها، وهذا ما يتحتم على الحكومة السير به لمواجهة كابوس البطالة المرعب.مشكلة البطالة المزمنة لا يمكن حلها إلا بالتفكير خارج الصندوق، والكرة في ملعب الحكومة بالتأكيد بأن مفاتيح الحل يجب أن تدق أبواب القطاع الخاص، ويكون هذا الأمر من خلال إستراتيجية جديدة في التعامل معه تحقق نتائج إيجابية فورية على المديين القريب والمتوسط يكون محتواها ومضمونها الاستثمار الجديد.الاستثمار الجديد هو الحل الوحيد الفاعل الذي يمكن أن يقلل من مستويات البطالة ويعيدها إلى مربعها الأول الآمن نسبياً، والاستثمار يحتاج قبل كل شيء إلى تفهم وإيمان حكومي كامل بالأمر وأن يرتبط بمجلس الوزراء لا بوزير معين، فمسؤولية الاستثمار وتنميته مسؤولية كل الوزراء.تسهيل بيئة الأعمال وتبسيط الإجراءات أمام المستثمرين كفيل بأن يدفع عجلة النمو الاقتصادي للأمام ويعزز من تقدمه نحو الأهداف المنشودة الآمنة التي تكون قادرة على مواجهة التحديات المختلفة.