في اسبانيا وبالتحديد بين العامين ١٩٣٦- ١٩٣٩، بدأت قصة "الطابور الخامس" حين ظهرت حرب أهلية بين المعسكر الجمهوري بقيادة "مانويل أزانا" الذي كان على رأس السلطة في البلاد، ويعرف بانتمائه لليسارية التي تقوم على المساواة بين طبقات المجتمع وكانت تحظى بتأييد عامة الناس، والمعسكر الثاني بقيادة "فرانكو" من أبناء ملاك الأراضي والأثرياء ويميلون إلى الفاشية والتسلط على الشعب؛ حينها قرر القوميون الانقلاب على الجمهوريين وطردهم من السلطة، فحشدوا قوة عسكرية تحت قيادة "إميليو مولا" لاقتحام العاصمة مدريد، باعتبارها مركز الجمهوريين.
أراد "مولا" في مداخلة اذاعية ان يرعب الجمهوريين داخل العاصمة، وأن يشجع جيشه المكون من أربعة طوابير، فنادى بانه سوف يحاصر المدينة بطوابير قادمة من أربعة مدن و"طابور خامس"، مشكل من المتعاطفين معه ومع جيشه، يعملون في الخفاء لصالح الانقلاب، وألمح أن هذا الطابور يختفي داخل الازقة والطرقات في العاصمة وينتظر وصول الأربعة طوابير، وهو ما أثار الشكوك في صفوف الجمهوريين وفتح أمامهم الأبواب للاتهامات والتخوين، مما جعلهم يشككون في بعضهم إلى حد القتل، واهتزت صفوفهم ودخل "مول" العاصمة مع طوابيره منتصرا. انتشرت عبارة "الطابور الخامس" في كل العالم، واستخدمتها الصحافة الغربية مع بداية الحرب العالمية الثانية بين عام ١٩٣٩-١٩٤٥، حين كانت المانيا وإيطاليا تسعيان لتوظيف الجواسيس لاختراق اعدائهم، ويختارونهم من نفس جنسية الدولة المراد التجسس عليها؛ وترسّخ المصطلح اكثر مع استسلام فرنسا في عام ١٩٤٠، اذ كثر الحديث حينها عن وجود طابور خامس سلم البلاد للنازية، الى ان أصبح المصطلح خلال الحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفيتي، يعني الجواسيس والخونة، ليشمل مروجي الاشاعات من الطرفين من كتاب وسياسيين وصحفيين.وفي التطرق "لنظرية المؤامرة" التي أصبحت تشير إلى العديد من الاحداث والمصائب، ويحاول من يستخدمها تقديم شرح وتفسير وتبرير لحدث معين من خلال مجموعة من الفرضيات غير القانونية قد تتناقض مع منطق الأشياء، والحقائق البسيطة، في محاولة لإلقاء اللوم على طرف ثالث مسؤول عن كل ما يجري.وضع العالم السياسي الأمريكي "مايكل باركن" ثلاثة مبادئ لنظرية المؤامرة وهي "لا شيء يحدث بالصدفة"، "ولا شيء يكون كما يبدو عليه"، "وكل شي مرتبط ببعضه". وعند اجتماع هذه المبادئ لدى شخص ما، تتحول نظرية المؤامرة الى قناعة راسخة وإيمان، لا تستطيع الأدلة مهما كانت قوية، دحضها.يطرح المستفيدون من نظرية المؤامرة سؤالاً مهماً، يعتبر الشرارة الأولى لتعزيز هذه النظرية في نفوس الناس وعقولهم؛ وهو من المستفيد؟؟ لتبدأ بعد هذا السؤال عملية البحث عن جهة مفترضة ومسؤولة عن التأثير بالأحداث بشكل سري وإلقاء اللوم عليها.ويرجع السبب في انجذاب البعض لنظرية المؤامرة، لأنها تقدم تفسيرات قد لا يستطيع العلم او المنطق أو الدليل تقديمها، كما تقوم بتقسيم العالم إلى معسكرات للخير والشر، الأمر الذي يجذب الكثير من الناس إليها، بالإضافة لعنصر الغموض والإثارة، حين يعتبر المقتنعون بهذه النظرية أنهم يمتلكون معلومات لا يمكن لأي شخص إدراكها. مع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت المعلومات كثيرة والأسئلة المطروحة عنها أكثر، وفي غياب الدليل والبرهان لكل ما ينشر ويقال، وكثرة الأحداث الجديدة من حولنا وزيادة الفجوة بين الطبقات الغنية والفقيرة في العالم، يتوقع متخصصو علم النفس أن تزيد اعداد المناصرين والمنادين والمقتنعين بنظرية المؤامرة في السنوات القليلة القادمة.