كنا صغارا نذهب إلى دكانة " شيخ العطارين " في شارع الحمرا في الزرقاء ، أول ما تقع عينك على لوحة قرآنية معلّقة بصدر المحل " وإذا مرضت فهو يشفين " ، ثمة نساء مصطفات ينتظرن الدور ليبتاعنّ حاجتهنّ ، المكان ضيّق ولكن متسع بالزبائن ، والرفوف ملأى " بالحوايج " ، حتى الطاولة مصطف بها الكثير من الأواني الزجاجية المعبأة بالبذور والحبوب والأعشاب البرية غريبة الأسماء والأشكال ، حتى السقف معلّق به طيور وأفاعي محنطة، كانت تزيد من رهبة المكان .
كثر ما يشدّ المشتري هي الروائح الزكيّة لتي تجذبه من خارج الدكانة ، رائحة البخور وعود الندّ، ربما أتت من بلاد الهند والسند ، وروائح أصنص العطور والعصائر ... هناك من تبحث عن الحنّاء وهي هنا أصلية لا تزول بسهولة ، ربما تشتري بعضا من البهارات وحبة البركة والسمسم واليانسون وعود القرف والهيل والحندقوق والكركم ، وقليلا من جوزة الطيب والعسل.
زبونة أخرى تبحث عن شراء زيت السيرج وتحضر معها زجاجة صغيرة لتملأها به ، وشيئا من الخروع فهو هنا مضمون النتيجة هكذا قالت لها أمها ذات مرة ، هنا أيضا حلقوم وحلاوة وسمن تشتريها الأم لأبنتها التي ولدت حديثا.
هناك من تنادي على صاحب الدكان ، تقترب منه وتوشوش له بسرّها ، يتمتم ثم يغمض عينيه ، ربما أسرّت له بوجعها ، يذهب إلى الداخل ثم يعود بالوصفة ويوشوش لها رغم ضيق المكان وكثرة المشترين والآذان صاغية لكل كلمة، والأسرار مفضوحة!
في دكان العطارين تجد كل شيء ، تجد الدواء لكل داء ، مسكنات الألم من الأعشاب والخلطات ، وبعض التمائم وآيات من القرآن الكريم ، وقليلا من زيت الزيتون المقروء عليه ..
في دكانة العطار ثمة قصص مخبئة وأوجاع خجل أصحابها عن روايتها ، وفيها أسرار نبتت بين البائع والمشتري ضمناها الثقة بالله أنه الشافي على يد شيخ العطارين!