مدار الساعة - بعد أن قُتل 8 أشخاص في سلسلة أعمال عنف اندلعت إثر تركيب إسرائيل أجهزة لكشف المعادن على مداخل المسجد الأقصى في القدس، الأمر الذي أثار غضب الفلسطينيين.
كان الشعور المنتشر بين الإسرائيليين والفلسطينيين خلال الأيام القليلة الماضية هو أن الجميع يسعون إلى أن يتخذ شخصٌ بالغ مسؤول قراراً لمعالجة الأزمة. ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أسيرٌ لليمين المتطرف، بحسب ما تقول صحيفة هآرتس، وينصب اهتمامه على لجنة الليكود المركزية ومنصبه أكثر مما يحدث في المسجد الأقصى أو إبرام اتفاقٍ مع الفلسطينيين.
ولا يستطيع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس اقتراح أي شيءٍ لتهدئة الموقف. وعلى النقيض، وفي هذه البيئة ومع الأحداث التي وقعت خاصةً في القدس، فإنَّ أي قرارٍ لا يدعم شعور الجماهير قد يَضُر بعباس فقط. فالرجل الذي عَرَّف التنسيق الأمني مع إسرائيل باعتباره أمراً مقدساً، قرر تعليق جميع الاتصالات مع إسرائيل. ويواجه عباس، الذي تمادى في التعاون مع إسرائيل، صعوبةً في إعطاء الفلسطينيين شرارة أمل.
وقد يُعلِّق بعض الأشخاص أملهم على ملك الأردن عبدالله الثاني، أو الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، لكن في هذه الأثناء لم يرتقِ أيٌ منهم للتطلُعات، كما هو الحال بالنسبة للرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي من الأفضل عدم التطرق للحديث عنه، وفق ما تقول الصحيفة الإسرائيلية.
وفي ظل غياب القيادة، كان للحركة الشعبية الكلمة الأخيرة. ووجد النشطاء المحليون ودائرة الأوقاف الإسلامية في القدس أنفسهم تحت الأضواء كما لم يحدث من قبل، وقادت الشخصيات العامة الدينية المصلين في شوارع البلدة القديمة بالقدس. ولم تؤدِّ اعتقالات الشرطة لنشطاء حركة فتح البارزين في المدينة سوى لإثارة الغضب.
عملت إسرائيل، منذ الانتفاضة الثانية، على محو أي علامة لوجود القيادة الفلسطينية في القدس، وأغلقت أي مكتب قد يخدم السلطة الفلسطينية هناك. وتجد السلطة الفلسطينية نفسها اليوم تتحدث مع الناشطين الشعبيين والقادة الدينيين، كما تجد الفصائل الفلسطينية، التي يُفترض أنَّها تقود الرأي العام، نفسها تتبع السلطة الفلسطينية.
"أيام الغضب"
ولم تدفع حملة "أيام الغضب" التي دعت لها حركتا فتح وحماس وفصائل أخرى الجماهير للشوارع، وتزايد فقط الشعور بعدم الثقة بالقيادة السياسية. وحين تخرج الجماهير إلى الشوارع حالياً فإنَّ من يقودها بشكلٍ رئيسي الشباب الذين ينظمون أنفسهم على الشبكات الاجتماعية.
يقود جيل الفلسطينيين الذين وُلدوا بعد اتفاقية أوسلو بشكلٍ رئيسي حالة الإحباط والغضب، ذلك الجيل الذي وُعِدَ بدولةٍ والحق في تقرير المصير، ويشعر الآن فقط بعجزه عن جعل ذلك الحلم حقيقة. ويُفكر كثيرٌ من الأشخاص في إسرائيل بأنَّ مبدأ العصا والجزرة (الثواب والعقاب) هو المطلوب. لكنَّهم ينسون أنَّ جيلاً كاملاً على الجانب الفلسطيني يرى آماله تتحطم. ويريد أن يقف شامخاً ولا يبيع أحلامه مقابل التنمية الاقتصادية.
وينساب الإحباط والغضب من القيادة إلى المجتمع العربي في إسرائيل كذلك. ويجد تحالف القائمة المشتركة، الذي يضم 4 أحزاب عربية في إسرائيل، صعوبة في تمثيل جبهةٍ موحدة في أعقاب الأحداث الأخيرة.
وتنعكس هذه الصعوبة في صياغة إدانته للهجوم الذي نفذه 3 رجال من مدينة أم الفحم، وزيارة ممثلي اللجنة العربية العليا لمنزلي ضابطي الشرطة الدرزيين اللذين قتلا، الأمر الذي أثار نزاعاً زاد من الشعور بالإحباط تجاه هذه القيادة.
وفككت النزاعات الداخلية في الحزب، بسبب عدم الاستعداد لاحترام اتفاق التناوب الذي كان من المقرر أن يبدأ تنفيذه الأسبوع الجاري، الجبهة التي لطالما وصِفَت بأنَّها موحدة. فقد مَنَعت الصراعات من أجل السلطة والغرور الذاتي المناقشة الجدية للأحداث.
وفي حين أنَّه صحيحٌ أنَّ غالبية المُشرِّعين في القائمة المشتركة يظهرون في المناسبات العامة، إلا أنَّهم بعيدون كل البعد عن وضع جداول الأعمال. ولا يمكن للمجتمع العربي نسيان صدمة وتأثير ما حدث في أكتوبر/تشرين الأول عام 2000 (عندما قُتِلَ 12 شخصاً من عرب إسرائيل وفلسطيني على أيدي رجال الشرطة في 10 أيام من المظاهرات العنيفة والعمليات الانتقامية اليهودية) على المستوى الاقتصادي أيضاً.
يقرأ قادة الأحزاب السياسية واللجنة العربية العليا خريطة الأحداث بشكلٍ صحيح، وليسوا على عجل لاتخاذ قراراتٍ ستؤدي إلى صراع. لكنَّهم يدركون أيضاً أنَّه في هذا البلد الصغير، يمكن أن يتحول كل شيءٍ بسرعٍة كبيرة، عندما لا تكون هناك قيادة حقيقية ولا أمل في الأفق.