في الوقت الذي يحصي العالم الغربي أعداد قتلى الحرب الأوكرانية الروسية، وقتلى المسلمين في مينمار، وتحصي الحكومة الإسرائيلية أعداد الضحايا من العرب نساءً ورجالاً على يد مجرمين عرب، وتنسى إحصاء أعداد القتلى من الأطفال والرجال والنساء على يد بنادق الجيش الصهيوني، نجلس هنا في الأردن لنحصي أعداد الجرائم شبه اليومية التي باتت كحمم بركانية لا ندري متى تنفجر، وفي أي لحظة قد نستقبل خبر الأمن العام عن ارتكاب جريمة جديدة قبل منع النشر إذا كانت القضية حساسة، كما وقعت جريمة إحراق منزل ذهب ثلاثة أطفال الى بارئهم حرقاً وإصابة والدتهم بحروق على يد أبيهم.
نحن نفهم أن معدل الجرائم العامة والأسرّية سيزداد يوما تلو الآخر، وأسهل ما يعلق المرء على هذه الحوادث بقوله أن الفاعل متعاط للمخدرات، بينما يعرف أهل الطريقة الاستكشافية للناس أن هناك الكثير من المتعاطين للمخدرات المذهبة للعقل، ولكن غالبيتهم لا يعمدون الى القتل، بل للانتحار، ولكن الكارثة عندما يرتكب أب جريمة قتل بأي طريقة ضد أبنائه أو زوجته أو أي من أهل بيته، أو ترتكب الأم جريمة قتل لأطفالها، حتى أصبح تعاطي الجمهور مع جرائم القتل بلا مبالاة، أكانت بسبب تعاطي المخدرات كالكريستال والشبوه والجوكر وغيرها، والجرائم الواقعة ضمن دائرة العائلة لأسباب متعددة أهمها الشك والتغيب عن المنزل.المجتمع الأردني الأصيل لا يتجاوز عددهم ستة ملايين ونصف، فيما العدد الكلي للسكان وصل حتى اليوم الى أحد عشر مليون إنسان يدبون على هذه الأرض، ما يعني أننا نعيش وسط مجتمع آخر غير متجانس من كافة الجنسيات، ورغم اندماجنا وغض البصر عما يدور علينا، فإن الوافدين هم الأقل ارتكاباً للجرائم والقتل أو السرقة والنصب والاحتيال، بل لا نكاد نسمع عنها إلا ما ندرّ، وهذا إن دل فهو يدل على تكدس البشر الأردني في مكعبات من البنايات الصغيرة والمتلاصقة وفي بيئات لا يعرفون بعضهم ولا يقيمون للآخر أي اهتمام.ولو نظرنا الى المساحة الأكبر من المواطنين الأردنيين، والى الضواحي والقرى والمدن الصغيرة، سنجد أن الجرائم المرتكبة على الأرواح لا تتعدى واحدا في المئة من معدلات القتل الأسرية، وحتى لا نظلم المدن الكبرى، فإن فيها سكانا لا يعرفونها في النهار، بل هم أهل الليل، كالأشباح لا يمكن لأحد أن يتنبأ بما قد يفعلونه تحت ستار الليل، ولا يمكن لقوات الأمن العام أن تحيط بكل تلك المشاجرات والخلافات المفضية للقتل أحياناً، ولو عدنا مرة أخرى الى الإحصاء الأسري الراقي سنجد أن هناك عائلات أردنية تعد بالآلاف خارج إطار العشائرية تعيش في أمن وسلام في المدن الوادعة أو في قلب عمان وما حولها.إن الحقد الطبقي المخادع قد أخذ من القلوب السوداء ما لا يمكن انتزاعه، فالكثير يحسدون الناس على نعمة من الله، وهذا طبع بشري، ولكن عندما يسارع مجتمع ما في التخلص، نعم التخلص، من ابنته ليزوجها الى أي طالب عروس دون التدقيق والتحقيق، ثم تأتي البنات الى والديهم شاكية من زوجها لأول مرة، ثم يطردها الأب ويعيدها الى «هامل الرجال» فمن هناك يبدأ الشرخ الكبير، فإما أن تضيع الزوجة، أو يراها الزوج على أنها عبدة اشتراها بثمن بخس، بل إنني أرصد يوميا نساءً يقاربن العشر نساء، موزعات على سوق القرية، لا في عمان فحسب، من صباح اليوم حتى آخر الليل، ليعدن للأزواج بما كسبت أيديهن.ما نعاني منه اليوم ليس الفقر والديون والضغط النفسي العام فحسب، ولا الجرائم التي بدأت منذ عهد ابني آدم، بل مشكلتنا مع القوانين التي تتدخل موادها في تخفيف العقوبات، وإسقاط الحق الشخصي لجرائم معيبة، حتى القضاة ورجال الأمن يشكون من ضياع تعبهم عندما تتداخل الواسطات مع النص القانوني فيفلت مجرم أو تاجر مخدرات، أو يسقط الحق الشخصي في الأغلب عن الرجال، بينما الأمهات يُقتلن بدم بارد، لأن الزوج يرى أنه اشتراها من سوق مفتوح للأسف، ومجرد الفكرة هي جريمة بحد ذاتها، فأي زوجة لها أهل في النهاية، ولا يحق لأي رجل قتلها، أما أن تبقى الأمور مستباحة إما قاتل أو قتيل، فإن الشعب الأردني المحترم يخشى على مستقبل عائلاته، بعدما ماتت القدوة للمجتمع.Royal430@hotmail.com