تذكرون مقولة الرئيس الأميركي/بايدن خلال جولته الشرق أوسطية تموز الماضي, والتي بدأها من إسرائيل التي وقَّع خلالها ما تم وصفه «إعلان القدس»، في تعهّد غير مسبوق بدعم أميركي مفتوح لدولة العدو الصهيوني، ولم يكن زج اسم القدس المحتلة ليكون الإعلان باسمها عفوياً (إذ ليس لدى المُستعمِرين ما يمكن وصفه صدفة, علماً ان زيارة بايدن تلك كانت الزيارة العاشرة له منذ زياراته الأولى/عام 1973 كعضو في مجلس الشيوخ، كما كان الرئيس الأميركي «السابع» الذي يزور دولة الاحتلال).
قال بايدن في زيارته وبعد لقائه رئيس السلطة الفلسطينية في رام الله, إن «مطالب» الفلسطينيين تحتاج إلى مُعجزة لتنفيذها، لافتاً إلى أنه ليس رجل مُعجزات وعلى الفلسطينيين بالتالي أن «ينتظروا عودة المسيح لتنفيذ مطالبهم». ما يعني أن الرئيس الأميركي الذي أعلن بفخر أنه «صهيوني» قد دفن «حل الدولتين» الذي في نظره ليس قابلاً للتطبيق في المَدييْن القريب والمتوسط.على نهجه تماهى رئيس حكومة العدو الصهيوني/يئير لبيد في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة, مُعلناً أن «تسوية الدولتين» تحمي إسرائيل من التحوّل إلى دولة ثنائية القومية التي تعني في نظره نهاية الصهيونية. لافتاً إلى أن هذه «التسوية» لن تتحقّق صباح الغد. ليس ثمة فروق في المصطلحات أو المقاربات بين ما قاله بايدن وما كرَّره لبيد, سواء من على منبر الأمم المتحدة أم خصوصاً في مقابلاته الصحافية العديدة.. المُتلفزة كما المقروءة أو المسموعة، أضف إلى ذلك أن لبيد لم يكن المسؤول الصهيوني الأول الذي يشير إلى «تسوية الدولتين", إذ سبقه إلى ذلك رئيس الحكومة الأسبق نتنياهو (المُتوقع عودته إلى الحكم في انتخابات الأول من تشرين الثاني القريب وفق الاستطلاعات). الذي و"مجاملة» للرئيس الأميركي الأسبق/أوباما «وافق» على حل الدولتين في ما بات يُعرَف بـ"خطاب جامعة بار ايلان» يوم 14/6/2009, واضعاً شروطاً تعجيزية تطيح أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية بل حتى «دويلة/كانتون", مُشترطاً اعتراف الفلسطينيين بيهودية الدولة (وهذا كان قبل إقرار الكنيست بقانون يهودية الدولة/قانون القومية في تموز 2018), إضافة إلى اعتراف الفلسطينيين بالقدس الموحدة عاصمة لإسرائيل، ونزع سلاح دولة فلسطين «المُستقبلية» بشكل تام، كذلك مراقبة حدودها, زد على ذلك خصوصاً ودائماً الرفض التام لِحقّ العودة.وقتذاك حظي خطاب نتنياهو في جامعة بار ايلان بكثير من الاهتمام, وراح كثيرون وبخاصة في دول الغرب الاستعماري يمتدحون خطوة نتنياهو ويشيرون إلى «تحوّل» في مواقف اليمين الصهيوني, وقرب استئناف عملية السلام وغيرها من التحليلات والتوقّعات الرغائبية دون أن تُترجم اسرائيل ما قاله نتنياهو الى خطوات على الأرض, بافتراض أن أركان السلطة في رام الله سيقبلون شروطه.لم تختلف الحال كثيراً طوال عهد نتنياهو وحتى خسارته الانتخابات, وفشله طوال أربع جولات انتخابية في العودة إلى الحُكم, حيث جاء على إثرها تحالف «إلاّ بيبي/نتنياهو", الذي ضمّ أحزاباً من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار لا جامع بينهما سوى كراهية نتنياهو وعدم السماح له بالعودة إلى الحُكم، ليخلفه زعيم المستوطنين ورئيس مجلسهم «يشع» نفتالي بينيت في حكم استمر لسنة واحدة. وبات الجميع الآن أمام انتخابات خامسة تؤشر الاستطلاعات إلى أن تحالف اليمين الفاشي بزعامة نتنياهو مع الأحزاب الحريدية والصهيونية الدينية هو الأقرب إلى تشكيل الحكومة الجديدة بحصوله على 61-62 مقعداً.وإذ ترك بايدن للفلسطينيين خياراً وحيداً وهو «انتظار عودة السيد المسيح كصانع معجزات»، فإن لبيد قال أول أمس/الأحد, في مقابلات نشرتها الصحف الصهيونية بمناسبة حلول رأس السنة العبرية: «لن نصل إلى وضع ينتهي فيه كل شيء بعد التوقيع على (ورقة), وربما - أضاف - أحفادنا أو أبناء أحفادنا سيتوصلون إلى نهاية الصراع, وهذا لا يعني - استطردَ - أنه لا ينبغي الانفصال عن الفلسطينيين، ولكن يجب القيام بذلك بالحذَر اللائق».فهي ثمة اختلاف جوهري أو حتى نسبي, بين ما كان وما يزال نتنياهو يقوله أو يُصرح به ويشترِط, وبين تصريحات لبيد الذي لم يُصدِّق بعد – كما شريكه بينيت – انه بات رئيساً للوزراء؟, دون أن ننسى أن تصريحات الرئيس الأميركي بايدن كما أوباما.. تندرج في الإطار ذاته وتروم الهدف الصهيوني العنصري/الإحلالي نفسه, وإن بكلمات «مُلطَّفة» لزوم الترويج والتضليل.** إستدراكتراجعَ التأييد في إسرائيل، بين اليهود وكذلك بين فلسطينيي الداخل، لحل الدولتين إلى دون 50%، وفقا لاستطلاع أجراه مركز «فيتاربي» في «المعهد الإسرائيلي للديمقراطية»، الأسبوع الماضي، بعدما زعم لبيد، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، أن «أغلبية كبيرة من الإسرائيليين يؤيدون حل الدولتين». ووفقاً للاستطلاع الحالي، فإن 39% أيدوا حل الدولتين، بينما كانت هذه النسبة 46% في كانون الأول/عام 2019، و54% في آب/عام2017.kharroub@jpf.com.jo