الوقائع التي شهدها بلدنا (الفضائح والجرائم إن شئت) خلال الأسبوع الماضي، ليست صادمة فقط، فالأردنيون منذ وقت طويل تعودوا على الصدمات، لكنها تدق أمامنا ناقوس الخطر، ويفترض أن نقرأها بعيون مفتوحة على سؤالين اثنين، على الاقل، الأول : لماذا وصل مجتمعنا لهذه الدرجة من «التسفل» والاختلال الاجتماعي، أقصد من يتحمل مسؤولية ذلك؟
الثاني : ألم يحن الوقت لنتحرك جميعا لتطهير بلدنا مما تراكم فيه من دمامل وانسدادات، قبل أن يتسع الفتق على الراتق ؟
أدرك تماما أن المجال لا يسمح باستعراض ما أشرت إليه من وقائع، القارئ الكريم يعرفها بالتأكيد، باعتبارها أصبحت أحداثا عامة، تتداولها الصالونات ووسائل التواصل الاجتماعي، لكن اللافت بكل ما جرى هو حجم التحولات التي طرأت على البنى السياسية والاجتماعية والأخلاقية في بلدنا، سواء تعلقت بحدود المسؤولية وضوابطها، وما يترتب عليها من قيم وأخلاقيات الموظف العام، أو بعلاقة الناس مع بعضهم في دوائر العائلة والعشيرة والمجتمع بشكل عام، او بحضور إدارات الدولة لضبط إيقاع حركة الناس، من خلال القانون وهيبة النظام العام .
هذه التحولات كانت نتيجة طبيعية لتراخي الادارة العامة، وغياب الرقابة والمحاسبة من جهة، ولتراكم حالة الإحباط واليأس والخيبة لدى المجتمع، بعد تكسير وسائطه السياسية والاجتماعية، وإفراغه من عناصر القوة التي تحفظ منعته وتمده بما يلزم من حيوية، أضف لذلك انحسار العدالة، وبروز طبقات من المتنفذين الذين ركبوا موجة النفاق والظلم، ولم تساعدهم مواهبهم المتواضعة بالارتقاء لمستوى قيم الدولة ومصالحها، وما تفرضه من اعتبارات على سلوكهم الخاص.ربما يعتقد البعض أن مثل هذه الهزات المتتالية تبدو طبيعية، بسبب الانكشاف الإعلامي، او أنها جزء من ضريبة العولمة، أو العدوى التي انتقلت إلينا من حولنا، ربما يبدو هذا صحيحا نسبيا، لكن ألم نسأل أنفسنا: لماذا نخرج من واقعة مؤلمة لنقع في حفرة أخرى مؤلمة اكثر؟ ولماذا نصر على اعتبار ما جرى مجرد سواليف للتسلية، أو إشباع الفضول، أو تصفية الحسابات؟فيما الحقيقة أن مجتمعنا يتعرض لأسوأ الصدمات، وبانتظار أسوأ الارتدادات، دون أن نجد - من المجتمع أو الدولة على حد سواء - من يطرق الباب للدخول فورا لغرفة "التشخيص"، ثم إجراء ما يلزم من عمليات جراحية عاجلة، أقصد هنا دفع حركة التغيير او التحديث في مساراتها السياسية والإدارية التي تم إنجازها، ولم نر، حتى الآن، مخرجاتها في الميدان.لمن لا يريد أن يقتنع بأن بلدنا في أزمة، أرجوه أن يدقق، فقط، بثلاث حالات على الاقل : حالة العشيرة، وحالة الأسرة، وحالة الوظيفة العامة، وهي تلخص ما حدث من وقائع هزت ضمائرنا خلال الأسبوع المنصرم، عندئذ سيدرك، بلا شك، أن انقسام المجتمع، وركونه للصمت والعجز أحيانا، ثم ما يتفجر فيه من مفاجآت، كل ذلك لا يشير، فقط، لمجرد احتقانات عابرة، أو أخطاء يمكن استدراكها، أو أحداث استثنائية، وإنما هي سلسلة من التحولات الاجتماعية والأخلاقية، التي ربما تنذر بما هو أخطر مستقبلا، لا سمح الله.