لغاية الآن تشير التصريحات إلى وفاة 94 شخصا غرقا قبالة جزيرة أرواد السورية، حيث أبحروا من طرابلس اللبنانية بإتجاه جزيرة قبرص أملاً في الوصول إلى دول الإتحاد الإوروبي. ويقال أنه على متن القارب الهّش ما يقارب 120-150 شخصا فرّوا من لهيب الظروف الإقتصادية الصعبة ولا سيما في لبنان جراء الإنهيار الإقتصادي منذ ثلاث سنوات وانخفاض قيمة الليرة اللبنانية إنخفاضا كبيرا مما أثر على ضعف القوة الشرائية ودفع أكثر من ثلاثة أرباع سكانه إلى براثن الفقر وفقدان عشرات الآلاف لوظائفهم.
إن هذه المأساة إضافة إلى مآس أخرى مماثلة تدق ناقوس الخطر ليس فقط على حاضرة الشرق بل أيضاً على الغرب، ففي الوقت الذي يقرر شبان في مقتبل العمر مغادرة بلادهم قصراً سعياً وراء لقمة العيش والعيش الكريم وحياة أفضل نسمع ونقرأ عن عدم رضى الشارع الأوروبي عن وضع بلدانهم وإعرابهم عن غضبهم جراء ارتفاع أسعار الغاز من 750-1000 في المائة مما يوحي بقدوم فصل شتاء قارص وحياة صعبة في تأمين مستلزمات الحياة الأساسية من مأكل ومشرب وملبس وعلاج وتعليم وتنقلات وتدفئة.فإلى أين يتجه عالمنا اليوم..؟! فإن لم نتعلم من أزمة كورونا فمتى نتعلم؟ إن الخطر الآن يتهدد العالم بأسره ويدعو إلى ولادة نظام عالمي جديد يحترم الشعوب وحقها في العيش الكريم والعيش بكرامة وحرية. لقد عانت الشعوب والأمم من الحروب والنزاعات ولا سيما في الحربين العالميتين الأولى والثانية وفقدان عشرات الملايين لحياتهم، والإتجاه العالمي من بعدها أصبح السباقَ نحو التسلح النووي وبناء القدرات العسكرية فمثلا ألمانيا تتحدث عن مائة مليار لبناء قدراتها العسكرية بدلاً من التوجه للتنمية الإقتصادية والإجتماعية والإعتماد على الذات في مشاريع التنمية المستدامة وعالماً خالياً من الأغذية الكيماوية والمسرطنة وبيئة نظيفة خالية من كل أشكال الملوثات التي أدت إلى الإحتباس الحراري وإرتفاع حرارة الأرض وتشكُّل الفيضانات وبروز أمراض وتحديات جديدة جراء ذوبان الثلوج القطبية. لربما حادثة الغرق المأساوية في عمق البحر المتوسط تشكل نقطة تحوّل في التفكير في حاجة مجتمعاتنا البشرية إلى الأمن والإستقرار وتوفير الغذاء والدواء والتعليم. وللأسف الشديد فإن الإستخدام الخاطئ لمفهوم الأديان وغاياتها فاقم العنف الطائفي والنزاعات والإقتتال فدمّر دولاً وشعوباً وشرّد أقليات دينية وعرقية كثيرة ودعى إلى البحث عن الهويات الفرعية الإثنية والطائفية والعرقية بدلا من البحث عن الهوية الوطنية التي تضمن الحريات العامة والعدالة والمساواة للجميع. فالمسؤولية اليوم تقع على عائقنا جميعاً من مجتمعات وشعوب وأمم في التصميم على المضي قدماً للبحث عن قارب النجاة للإنسانية جمعاء، فإما أن ننجو جميعنا أو نهلك.
مراكبُ الموتِ في عَرْضِ البِحَار
مدار الساعة ـ