اخبار الاردن اقتصاديات دوليات جامعات وفيات برلمانيات احزاب وظائف للاردنيين رياضة أسرار و مجالس مقالات مختارة مقالات تبليغات قضائية مناسبات جاهات واعراس مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة كاريكاتير رفوف المكتبات طقس اليوم

مرة أخرى.. الدستور الأردني العتيد


أ. د. ليث كمال نصراوين
أستاذ القانون الدستوري – عميد كلية الحقوق في جامعة الزيتونة

مرة أخرى.. الدستور الأردني العتيد

أ. د. ليث كمال نصراوين
أستاذ القانون الدستوري – عميد كلية الحقوق في جامعة الزيتونة
مدار الساعة (الرأي) ـ نشر في 2022/09/24 الساعة 23:53
وجه جلالة الملك قبل أيام رسالة خطية إلى مدير الأمن العام الجديد جاء فيها «إن سيادة القانون على جميع المواطنين دون تمييز أو محاباة، الناظم الأساسي لعمل الأمن العام، مثلما هي واجب جميع مؤسساتنا، وفاء لدستورنا العتيد وشعبنا العزيز».
وهذه هي المرة الثانية خلال الأشهر الماضية التي يستعمل فيها جلالة الملك وصف «العتيد» ويسقطه على الدستور الأردني، إذ سبق له وأن ضمنّه الرسالة التي وجهها لرئيس اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية في حزيران من العام الماضي، معبرا عن رغبته في «إحداث نقلة نوعية في الحياة السياسية والبرلمانية، والتأسيس لمرحلة متقدمة في أسلوب ممارسة السلطة التنفيذية لمسؤولياتها استنادا لقواعد وأحكام الدستور الأردني العتيد».
إن التفسيرات اللغوية لكلمة «العتيد» تشير إلى الصلابة والقوة، كما أنها تعطي مدلول الشيء الحاضر والمهيأ للشدائد، وهي الأوصاف التي تصلح أن يتم اسقاطها على الدستور الأردني. فهذه الوثيقة، التي تلاقت فيها إرادة الحاكم مع أفراد شعبه واتفقوا فيها على طبيعة نظام الحكم ومبدأ الأمة مصدر السلطات، تعد مبايعة شعبية تعود جذورها التاريخية لسنوات سبقت إصدارها الفعلي في عام 1952.
فالالتفاف الشعبي حول الهاشميين حكاما وقادة يعود تاريخه إلى زيارة الشريف الحسين بن علي إلى مدينة القدس في عام 1915 إيذانا ببدء الوصاية الهاشمية على المقدسات الدينية في هذه المدينة المقدسة، مرورا بقدوم الأمير عبد الله الأول إلى شرق الأردن في عام 1921 واستقراره فيها وتشكيل إمارة شرق الأردن، التي سطّر فيها الأردنيون مثالا في التضحية والنضال من أجل الاستقلال. فكان لهم مبتغاهم وتشكلت المملكة الأردنية الهاشمية كدولة عربية مستقلة تقوم على أساس أن الحاكم يستمد سلطاته من رضى الشعب وقبوله. فانعكس هذا الوضع على طبيعة الدساتير الوطنية التي تعاقبت على الدولة الأردنية منذ استقلالها، كدستور 1946 ودستور 1952، اللذين صدرا بطريقة تعاقدية من خلال إبرام عقد اجتماعي بين الحاكم والشعب.
ويتوافق وصف الدستور الأردني بأنه «عتيد» مع قِدَم هذا الدستور وأصالته. فهو اليوم يعتبر من أقدم الدساتير العربية بعد الدستور اللبناني الذي صدر في عام 1926، حيث تسبب الربيع العربي في اسقاط العديد من أنظمة الحكم التي أخذت معها دساتيرها التي أصدرتها أو عدلتها بما يتوافق مع مصالحها الخاصة بها، وجرى الاستبدال بها دساتير جديدة امتازت بالتوسع في الحقوق والحريات. إلا أنها لم تفلح في تحقيق الديمقراطية الحقيقية والمطالب الشعبية نحو العدالة والمساواة.
في المقابل، أثبت الدستور الأردني في هذه الحقبة الزمنية الاستثنائية بأنه دستور «عتيد»، فخضع لسلسلة من التعديلات التي هدفت بشكل أساسي إلى تكريس نظام الحكم النيابي، وضمان الفصل المرن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، مع الحفاظ على استقلالية السلطة القضائية.
وقد يرى البعض أن التعديلات المتلاحقة على الدستور الأردني خلال السنوات العشر الماضية قد أثرت سلباً على طبيعته بأنه دستور جامد، وبأن الجمود الدستوري يقتضي التأني في مراجعة نصوصه وقواعده، التي تشكل البنيان الأساسي لقيام الدولة بأركانها الثلاثة الشعب والإقليم السلطة السياسية.
إن التعديلين الشاملين على الدستور الأردني قد تما في عامي 2011 و2022 في حين تبقى تعديلات عامي 2014 و2016 محدودة من حيث النطاق والأثر الدستوري. ومع ذلك، يجب التذكير بأن الدستور الحالي قد اضطر إلى مواكبة الظروف التاريخية التي شهدتها الدولة الأردنية، ابتداء بالحروب العربية الإسرائيلية مروراً بالوحدة بين الضفتين والاتحاد العربي الهاشمي، والتي انعكست على نصوصه وأحكامه.
وعلى الرغم من انتهاء هذه الأحداث السياسية منذ زمن، إلا أن تبعاتها على الدستور الأردني قد بقيت دون تغيير. فالتعديل الأخير الذي خضع له الدستور الأردني قبل بدء «الربيع العربي» كان في عام 1984 واقتصر على مادة دستورية واحدة. وبعد ذلك، لم يخضع الدستور لأي مراجعة شاملة للتخلص من النصوص الدستورية التي ارتبطت بقرار الوحدة بين الضفتين، وفي مقدمتها آلية تشكيل مجلس النواب، والحالات التي قد يتعذر معها إجراء انتخابات في بعض الدوائر الانتخابية، في إشارة واضحة وصريحة للانتخابات في الضفة الغربية.
وقد ساهمت تعديلات عام 2011 في تنقية نصوص الدستور من أية ارتباطات تاريخية سابقة، وجعلت قواعده أكثر حيوية وارتباطا بالواقع الأردني، في حين عملت تعديلات عام 2022 على رسم خارطة طريق وطنية نحو انطلاقة جديدة في الحقوق والحريات الدستورية. فقد تضمنت المادة (6) من الدستور بحلتها المعدلة في عام 2022 أحكاما تلزم الدولة بتمكين المرأة والشباب، بالإضافة إلى دسترة مبادئ المواطنة وسيادة القانون، التي تحولت من شعارات وطنية إلى مبادئ دستورية ثابتة.
كما ساهمت التعديلات الدستورية لعام 2022 في وضع الدعائم الأساسية لبرنامج الإصلاح السياسي، فأصبح الدستور بنصوصه الحالية جاهزا إلى حد كبير لتشكيل الحكومات البرلمانية ورسم العلاقة بين الحاكم ورئيس الوزراء المنتخب.
مدار الساعة (الرأي) ـ نشر في 2022/09/24 الساعة 23:53