مدار الساعة -تحليل الخبير ايمن الحنيطي
عادت الاحزاب العربية الممثلة لفلسطينيي 1948 لخوض الانتخابات الاسرائيلية منقسمة كعهدها السابق ،قبل ان تتوحد هروباً من عدم تخطي عتبة الحسم ، فبعد ان كانت القوة الثالثة في الكنيست الاسرائيلية (البرلمان) بعد انتخابات 2015, 2019, 2020 بواقع 13 - 15 مقعداً ، ها هي تتراجع اليوم بحسب الاستطلاعات من 10 مقاعد في انتخابات 2021 الى ثمانية مقاعد فقط ، وربما لن يحالفها الحظ بالفوز ،وقد تختفي لاول مرة عن الساحة السياسية بعد الانتخابات الاسرائيلية المزمع اجراؤها في الاول من تشرين الثاني المقبل . كان يوم الخميس الماضي ( 15 ايلول ) الموعد النهائي لتسجيل القوائم الحزبية لدى لجنة الانتخابات المركزية الاسرائيلية، للمشاركة في الانتخابات 2022 ، وكانت المفاجاة ، ان القائمة المشتركة ذات الاغلبية العربية ،والتي كانت تشارك في انتخابات اذار2020 الماضية بثلاثة احزاب عربية ، ان انقسمت على نفسها هذه المرة الى تيارين : الاول يمثله الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة (ويسمى اختصاراً "حداش" بحسب الاحرف الاولى من الاسم الرسمي للحزب باللغة العبرية)، برئاسة ايمن عودة ،والحركة العربية للتغيير(تاعل)، برئاسة احمد الطبي، وبقي التجمع الوطني الديمقراطي (بلد)، برئاسة سامي ابو شحادة، وحيداً . وهذه ليست المرة الاولى التي تنقسم فيها القائمة المشتركة، التي تأسست في العام 2015 ، فقد سبق وانشق عنها في انتخابات 2020 حزب القائمة العربية الموحدة (راعم)، برئاسة منصور عباس ،والذي يمثل التيار الجنوبي للحركة الاسلامية في مناطق فلسطينيي 1948 ، حيث اختار نهجاً جديداً يناقض نهج القائمة المشتركة الرافض ايديولوجياً المشاركة في أي حكومة او ائتلاف صهيوني، وكان حزب منصور عباس بمقاعده الاربعة فقط – وهو اقل الاحزاب بالكنيست- حاضراً بقوة في "معسكر التغيير" الذي اطاح بحكم نتنياهو في انتخابات اذار2021 ، وكانت له مواقف عطلت قرارات اسرائيلية ضد المسجد الاقصى والقدس ،حيث كان يصر على حكومة الاحتلال بتبني الموقف الاردني حول القدس والمسجد الاقصى والوصاية الهاشمية بحسب البنود اتفاقية السلام الاردنية – الاسرائيلية، الموقعة في العام 1994 ، وما تبعها من اتفاقيات مع السلطة الوطنية الفلسطينية في العام 2013 . الان سيخوض العرب الانتخابات الاسرائيلية المقبلة منقسمين الى ثلاث قوائم ( قائمة ايمن عودة واحمد الطيبي، قائمة سامي ابو شحادة، وقائمة منصور عباس)، وهذا الانقسام افقد العرب مقعدين ( في انتخابات 2020 حصلت قائمة عودة – الطيبي – شحادة على ستة مقاعد )، ويطيح بقائمة كاملة ، حيث اشارت اخر استطلاعات الراي الى حصول قائمة (عودة والطيبي) على اربعة مقاعد ، ومنصور عباس على اربعة مقاعد، في حين لن تنجح قائمة شحادة من تخطي نسبة الحسم وهي ( 3.25 %)، في ظل توقعات قوية ان نسبة التصويت العربي في الانتخابات المقبلة ستصل الى ادنى مستوياتها دون 39 %، وهذا ما يسعى اليه زعيم المعارضة الاسرائيلية حالياً ، زعيم حزب الليكود ، بنيامين نتنياهو، لاستعادة سدة الحكم من "معسكر التغيير". نتنياهو يدرك جيداً ان هرولة العرب الى صناديق الاقتراع بنسب تصويت تقارب نسب المشاركة اليهودية او نسب قريبة منها، كما حدث في انتخابات 2020 حيث وصل التصويت العربي الى اعلى نسبة 64.8 % ، ومنع نتنياهو من الحصول على المقعد رقم 61 لتشكيل حكومة، لذلك عاود نتنياهو نشاطه مجدداً، وانعش حملته الانتخابية الموجهة للوسط العربي عبر مواقع التواصل الاجتماعي تحت عنوان " حملة ابو يائير"، والهدف الظاهر منها الحصول على ثلاثة مقاعد من الوسط العربي ، بينما غايته الضمنية جعل العرب يلتزمون بيوتهم ولا يشاركون بنسب تصويت مرتفعة . في المقابل، يدرك رئيس الوزراء الاسرائيلي الحالي المؤقت يائير لابيد ،زعيم "معسكر التغيير" ،ورئيس حزب "يش عاتيد – يوجد مستقبل " انه اذا لم تصل نسبة التصويت في الوسط العربي هذه المرة الى 42 – 43 % فسيكون من الصعب عليه ان يمنع نتنياهو من الحصول على 61 مقعداً – في انتخابات اذار 2021 انخفضت نسبة تصويت العرب الى 44% - ،خصوصاً وان هذا الاخير يدخل الانتخابات المقبلة مرتاحاً ،حيث ذهب بعض المحللين ان الانقسام العربي يصب في مصلحته، فقد نجح نتنياهو في توحيد معسكر اليمين واليمين المتطرف ( ايتمار بن غفير وبتسليئيل سموتريتش) مع شركائه الحقيقيين، المتدينين، في حين فشل لابيد من توحيد حزبي اليسار(العمل) و(ميرتس)، مع وجود شكوك بعدم قدرة هذين الحزبين على تخطي عتبة الحسم هذه المرة مع الاحزاب العربية ايضاً بحسب بعض الاستطلاعات، وهذا يعني ان معسكر السلام واليسار والعرب ربما سيختفون لاول مرة عن الساحة السياسية الاسرائيلية. اخيراً وليس اخراً بقي نحو 40 يوماً على موعد الانتخابات ولا يعرف ماذا تحمل معها هذه الايام من مفاجأت قد تؤثر على عموم المشهد ، وهناك ايضاً لاعباً اساسياً اخر في الانتخابات هو "المعسكر الرسمي الوطني " ،والذي تشكل قبل عدة اسابيع، وتمنحه الاستطلاعات بين 12 -13 مقعداً ، واقطابه وزير الجيش الحالي بيني غانتس ،والقيادي الليكودي السابق جدعون ساعر، ورئيس اركان الجيش الاسرائيلي السابق غادي ايزينكوت " ،هذا المعسكر الذي يقوده غانتس يرى انه الوحيد القادر على تشكيل حكومة وحدة وطنية مستقرة ، ويعول على ان تتمكن قيادات الليكود من التخلص من نتنياهو بفعل ملفات فساده، وهو يغازل المتدينين كثيراً، او ربما يقوم منصور عباس بدعم ائتلاف نتنياهو هذه المرة اذا حصل منه على مكاسب للوسط العربي، وكان بين الرجلين اتصالات سرية سابقة بهذا الشأن كشف عنها عباس نفسه، فلا احد يستطيع الحكم على السياسة الاسرائيلية والاعيبها، هذه السياسة التي اصبحت تأخذ من " الفوضى السياسية" و"الفراغ السياسي" ، والانتخابات المتكررة ، استراتيجية جديدة، بينما حركة الاستيطان والتهويد واقتحامات الاقصى مستمرة ،وبوتيرة متسارعة ، ويتذرع المجتمع الدولي بعدم قدرته على وقفها بسبب بحالة عدم الاستقرار السياسي الاسرائيلي .