يبدو أن الرئيس الأميركي بايدن قد تخلّى عن سياسة «الغموض الاستراتيجي», التي طالما انتهجتها الولايات المتحدة, بشأن السؤال الذي طالما طُرِح على الرؤساء الذين سبقوه, حول ما إذا كانوا سيدافعون «عسكرياً» عن تايوان حال نشوب صراع مسلح بين الأخيرة والصين. خاصة في ظل إلتزام أميركي بمبدأ «الصين الواحد», والتوقيع على البيانات الثلاثة المُشتركة وتعهد واشنطن عدم دعم استقلال تايوان.
إعلان بايدن استعداد بلاده لحماية تايوان حال إندلاع نزاع عسكري بينها والصين, يعني من بين أمور أخرى إدخال العلاقات الأميركية/الصينية في حال توتر وتصعيد, قد يُفضيان إذا ما تراجعت واشنطن عن إلتزاماتها إلى مواجهة عسكرية مباشرة في النهاية، خاصة في ظلّ استمرار البوارج والسفن الحربية الأميركية عبور مضيق تايوان, واستمرار سلاح الجو الصينى (كما بحرِيته) بالتحليق في أجواء تايوان (عبر تجاوز ما يُعرف «خط الوسط» الذي أعلنت بيجين أنها لم تعد تعترف به).زيارة رئيسة مجلس النوّاب الأميركي/بيلوسي أدخلت العلاقات الأميركية/الصينية في طور جديد من التصعيد وانعدام الثقة، خاصة بعد توالي زيارات المُشرِّعين الأميركيين من مجلسي الكونغرس, إضافة إلى صفقات السلاح الضخمة التي عقدتها واشنطن مع تايبيه، كذلك إعلان بايدن أكثر من مرة أنّ بلاده ستدافع عن تايوان «عسكرياً» إذا ما غزتها الصين. رغم أن متحدّثي البيت الأبيض كانوا يُسارعون مباشرة إلى تدارك «زلّات» لسان رئيسهم, بإعلان استمرارالتزامهم بمبدأ صين واحدة, كذلكّ التزام واشنطن قرار الكونغرس «تقديم دعم عسكري لتايوان كي تدافع عن نفسها» وأن الجيش الأميركي لن يتدخل.. علماً أن أولى «زلات» بايدن كانت في مثل هذه الأيام من العام الماضي (23/10/2021), مع توضيح لاحق من البيت الأبيض بأنّ الرئيس» لم يُشِر إلى تغيير في سياسة الولايات المتّحدة تجاه تايوان».هذه المرة لم يصدر «شيء» عن البيت الأبيض, وأخذت تصريحات بايدن الجديدة أبعاداً أكثر خطورة, ليس فقط في ردّ الفعل الصيني الغاضب والمحذّر من مغبّة المضي قدماً في هذه السياسة «الجديدة", الذي دأب بايدن منذ وصوله إلى الحكم على انتهاجها, والتي بدت وكأنها لا تختلف كثيراً عن السياسات التي انتهجها سلفه ترمب, وإن كان الأخير أولى اهتماماً بالشقّين الاقتصادي والتجاري ولم يُعنى كثيراً بملف تايوان, أو مواصلة نهج أوباما في احتواء الصين, عبر اعتبار أنّ مركز الصراع الدولي قد انتقل إلى منطقة المحيطين الهادئ والهندي. والذي تجلّى في عهد بايدن بإقامة الأحلاف ذات الطابع العسكري, على ما عكسه قيام حلف «اوكوس» الثلاثي ورباعية «كواد» والمناورات العسكرية التي تجري في تلك المنطقة، إضافة إلى إعلان إدارة بايدن «الإبقاء» على الرسوم الجمركية التي فرضتها إدارة ترمب, والتي كان يُفترض انتهاء بعضها في شهري تموز وآب الماضيين.وإذ يصعب تجاهل ارتدادات وتداعيات الحرب الأوكرانية وبخاصة الموقف الصيني من هذه الحرب, على سياسة «التصعيد» التي تنتهجها إدارة بايدن تجاه الصين، فضلاً عن فشل واشنطن في دفع الصين إلى اتّخاذ موقف «الحياد» إزاء هذه الأزمة والتزام العقوبات الأميركية والأوروبية على روسيا، (وإن كان بايدن «اعترف» بأنّ الصين لا تزود روسيا بالأسلحة حتّى الآن). فإن ارتفاع معدلات التجارة وخصوصاً في مجال النفط والغاز فضلاً عن إلغاء التعامل بالدولار واعتماد الروبل واليوان بين البلدين وتواصل تشديد الرئيسين بوتين وشي جينبنغ على متانة علاقتهما الاستراتيجية, ودعوتهما إلى قيام عالم متعدد الأقطاب, والذي تجلّى أيضاً في قمة منظمة شنغهاي وإعلان سمرقند, يزيد من عدوانية الإدارة الأميركية.لا تستطيع واشنطن تبرير موقفها الأخير باستعدادها الدفاع «عسكرياً» عن تايوان. ليس فقط في أنّها اعترفت بمبدأ الصين الواحدة، وإنما في الأساس عدم وجود معاهدة دفاعية ثنائية أو ذات طابع دولي/إقليمي تربطها بتايوان تماماً كعلاقاتها مع أوكرانيا، خاصة أنّ الأخيرة ليست عضواً في حلف الناتو، وإن كانت «كييف» ترتبط بعلاقات خاصة/وعميقة مع واشنطن على أكثر من صعيد وفي مقدمتها العدد الكبير من «المختبرات البيولوجية» الأميركية, المتواجدة على أراضيها وقريباً جداً من الحدود الروسية/الأوكرانية, والتي لم تستطع إدارة بايدن تبرير سبب وجودها وطبيعة الأبحاث خاصة ذات الطابع العسكري الذي كانت تُجريها منذ عام 2014.في الخلاصة.. دخلت العلاقات الصينية/الأميركية منذ زيارة بيلوسي لتايوان, وبعد «زلات» لسان بايدن المُتكرّرة عن التزام الدفاع العسكري عن الجزيرة المُتمردة, منعطفاً جديداً ينبئ باندلاع «حرب باردة» جديدة, تتجاوز في حدّتها كل ما شاب علاقاتهما وتحديداً منذ عهد أوباما مروراً بعهد ترمب وخصوصاً في عهد بايدن, الذي دعته الصين مُؤخراً إلى «تفهّم أهمية وحساسية قضية تايوان, وعدم الاستهانة بتصميم بيجين على حماية سيادتها, وأنّها لن تتسامح مع أي محاولات لفصل تايوان عن الصين».kharroub@jpf.com.jo