ثمة قُطبة مَخفِيّة في التصريحات النارية والمفاجئة بل غير المُبررة, التي أطلقها الرئيس الأميركي/بايدن قبل يومين, عندما «حذّر» نظيره الروسي بأن"روسيا ستتحمّل المسؤولية حال استخدمت أسلحة نووية أو كيميائية تكتيكية في أُوكرانيا", بل ذهب بعيداً في التلويح بأن استخدام أسلحة كهذه, «من شأنه أن يُغير وجه الحرب بطريقة لم يشهدها العالم منذ الحرب العالمية الثانية».
فهل تملك واشنطن واستخباراتها وأذرعها المختلفة في الناتو وتقارير «العيون الخمس» التي تتجسس على العالم بأسره, معطيات أو معلومات أو حتى مؤشرات بأن بوتين بصدد الإقدام على خطوة كهذه, كان الرئيس الروسي نفسه أكد أكثر من مرة أن حرباً نووية لو وقعت فإن أحداً لن يخرج منها منتصراً، فكيف إذاً سيلجأ إليها؟هل لدرء هزيمة «روسية» باتت تلوح في الأفق وفق نظر المعسكر الغربي, ما قد يدفعه إلى الحؤول دونها عبر استخدام قنبلة نووية تكتيكية؟. في الوقت ذاته الذي يقول فيه الخبراء العسكريون الأميركيون كما معظم قادة الناتو: إن الجيش الروسي يتوفر على ترسانة عسكرية ضخمة, فضلاً عن عديدها الكبير وعتادها الهائل لم يتم زجّها بعد في معارك اوكرانيا؟فهل هي اذاً حملة إعلامية مركزة تروم ارباك الكرملين, وتسعى جاهدة لاستثمار الاختراق الذي حققه الجيش الأوكراني بمشاركة خبراء أميركيين وأركان الناتو واستخباراتهم على ما كشفت وسائل الإعلام الغربية الأميركية/والأوروبية, وهو أمر لم ينفِه البنتاغون أو البيت الأبيض؟عودة إلى أسبوع مضى يلحظ المُتابع أن وسائل إعلام أميركية نافذة ومُؤثِّرة ومُقرَّبة من وكالات الاستخبارات الأميركية والمجمع الصناعي/العسكري, كانت تتحدث عن «قلق» كبير لدى خبراء الأمن القومي الأميركي, خشية إقدام روسيا على استخدام الأسلحة النووية، إذا شعرت بأنها محاصرة بسبب التقدم الأوكراني على ما زعمت «نيوزويك» الأميركية بتاريخ 4 أيلول الجاري, مُسّتَنِدَة بل مُوظِّفة تصريحات ناطق الكرملين/بيسكوف, من أن بلاده ستستخدم الأسلحة النووية إذا شعر القادة بأن بلادهم تواجه «تهديداً وجودياً».على المنوال ذاته سارت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية في عددها يوم 12 أيلول الجاري, إذ حذَّرت في افتتاحيتها من أن «التقدّم» الذي أحرزته أوكرانيا سيزيد من المخاطر على الرئيس الروسي, مضيفة أن بوتين «لا يتورّع عن استخدام أي شيء, من قطع إمدادات الطاقة عن أوروبا والاشتباك مع قوات الناتو أو استخدام الأسلحة النووية التكتيكية الكيميائية، بدلاً من الخسارة المُذِّلة».بل مضت إلى القول في عملية تحريض مكشوفة, مُعربة عن «أملها» في أن يكون القادة الغربيون يفكرون في كيفية «الرد", بدلاً من التفكير في عدم احتمال قيام بوتين بما ذكرته. ذاهبة أبعد من ذلك عبر دعوتها حلف الناتو إلى زيادة مساعداته العسكرية «والسماح» لأوكرانيا بالقتال «داخل روسيا».. لافتة نظر القادة الغربيين إلى أن يوضحوا لبوتين أنه «سيصبح منبوذاً عالمياً إذا لجأ للسلاح النووي».فهل هي صدفة أن يُكرِّر الرئيس الأميركي العِبارة ذاتها يوم 17/9 «روسيا ستكون منبوذة عالمياً", أي بعد خمسة أيام فقط عمّا كتبته «وول ستريت جورنال» في افتتاحيتها يوم 12 أيلول؟من المفيد بل الضروري الإضاءة على «تعهَّد» أميركي صدر في اليوم ذاته, الذي حذَّر فيه بايدن روسيا من مغبة استخدام السلاح النووي في اوكرانيا، لكن هذه المرة في اتجاه «كوريا» بشطريها الجنوبي خصوصاً والشمالي تالياً.إذ «تعهّدت» الولايات المتحدة لكوريا الجنوبية باستخدام «النطاق الكامل للقدرات العسكرية الأميركية».. بما في ذلك «الأسلحة النووية والتقليدية والدفاع الصاروخي في الردع المُوسَّع لكوريا الشمالية».. مُضيفة في بيان جاء عقب اجتماع دوري لـ«المجموعة الثنائية الأميركية/الكورية الجنوبية حول استراتيجية الردع المُوسَّعة والمشاورات» (كما هو اسمها حرفياً) من ان «الولايات المتحدة ملتزمة بتعزيز التنسيق مع جمهورية كوريا الجنوبية لمواصلة «نشر الأصول الاستراتيجية وإعدادها في المنطقة في الوقت المناسب وبطريقة فعّالة لردع كوريا الشمالية والاستجابة لها وتعزيز الأمن الإقليمي». كما حذرت الدولتان كوريا الشمالية من محاولات اختبار أسلحة نووية. وأضاف البيان: «أكّدت الولايات المتحدة وجمهورية كوريا, أن التجربة النووية لكوريا الديمقراطية ستتلقى رداً قوياً وحاسماً. وكلا البلدين يُنسقان عن كثب بالتفصيل ومُستعدان لجميع السيناريوهات الممكنة».فـ«مَن الذي ينشر «الأصول النووية» ويُلوِّح باستخدامها؟ علماً أن حرباً لا تدور بين الكوريتين وان الصين وروسيا لا تدفعان بيونغ يانغ لزعزعة أمن سيؤول, فيما الناتو وواشنطن لم يتوقفا منذ العام 2014 (عام الانقلاب الذي جاء بالنازيين والمتطرفين القوميين إلى الحكم في كييف), بل قبله عبر السعي لمحاصرة روسيا والوصول إلى حدودها ودعم منظمات المجتمع المدني الروسية (NGOs) بذريعة الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان وغيرها من الشعارات التي تروم التدخل في شؤون روسيا الداخلية؟kharroub@jpf.com.jo