رأيت العمارة التي سقطت في اللويبدة, رأيتها عدة مرات وأنا اعرفها جيدا... كانت حبال الغسيل تمتد على البلكونة, حبال من كل الاتجاهات... وتقوم النساء بنشر شتى أنواع الملابس عليها, وحين تراقب تكتشف أن جميع ما ينشر.. تم شراؤه من البلد, هل يوجد مثلا قطعة من (مسيمو دوتي) من الممكن أن تنشر هناك؟.. مستحيل.
وقد تشم رائحة (باميا).. كانت قد طبخت على (رواق), عابقة بالكزبرة والثوم, وقد اعدتها سيدة متفانية لزوجها الذي سيأتي من العمل للتو, العمارة أيضا لا يوجد فيها (مصعد).. هذا يعني أن أحدا من سكان الطوابق العلوية لا يعاني من الكوليسترول أبدا.. قلت أنا اعرف العمارة جيدا.كانت ملامح العمارة تشبه ملامح عجوز تجاوز الـ (80) من العمر وجلس على صخرة, في يوم ربيعي هادئ كيف يلف سيجارة (الهيشة).. ولأن العمر مر عليه سريعا, ارتجفت يده والريح كانت تلعب في التبغ فلا هو قادر على ثني الورق, ولا التبغ قد استقر في محله... ورجفة اللسان حالت دون أن يلقي بلعابه عليها ولم تكتمل السيجارة... وتسأل ساعتها أهو العمر أم الهواء الذي خذلك أيها الرجل؟كانت أبوابها من الحديد القديم, وياما رأيت صبية أمامها يلهون مع أقرانهم, كانوا فيما بعد سيكبرون, ويقتحمون الحياة... ويصبحون من الرصيد الوطني المهم في القوى العاملة.. ومن الممكن أن أحدهم لن يحظى برخصة انشاء مصنع.للعلم (بلكونات) هذه العمارة أيضا كانت تعج (بالبشاكير)... كانت تعج أيضا بأحواض الياسمين, وهي للعلم أحواض من الصلصال الذي صنع يدويا, ورخيصة الثمن ولكنها تفي الفقراء حاجتهم من الزينة.. كانت أيضا تزيل عن البناية أثر الهرم والكبر.. تماما مثل سيدة في السبعين قررت اجراء عملية تجميل لأنفها, وجاملها الجميع.. مع أنهم يعرفون الحقيقة.أنا لدي تحليل لما حدث يختلف عن الكل.. «الأمانة» لا تتحمل المسؤولية, ولا نقابة المهندسين ولا اللويبدة تتحمل المسؤولية... ولا الدفاع المدني..!ما حدث هو أن البناية شاخت وقررت أن تنتحر.. هذا ما حدث بصراحة, البنايات لدينا هي الأخرى تشيخ...هل لديكم تفسير غير ذلك؟Abdelhadi18@yahoo.com