ما أشبه الأمس باليوم، أذكر عندما كان عمري في بداية العشرينات ونحن شباب في مقتبل العمر، عاصرنا مرحلة استئناف الحياة الديمقراطية في الأردن عام 1989، وفي عام 1992 وبعد إقرار قانون الأحزاب السياسية رقم 32 لسنة 1992، بدأت النخب السياسية آنذاك بتأسيس الأحزاب السياسية، وانطلقت هذه النخب السياسية في جولة في ربوع الوطن بهدف استقطاب الأعضاء والترويج لأحزابهم، والتشجيع على المشاركة في الحياة السياسية والحزبية كما هو حاصل حاليا ، بدءا من حزب العهد، ومرورا بحزب اليقظة، والحزب الدستوري، وحزب الحضر، وووووووالخ من الأحزاب وصولا إلى حزب التجمع الديمقراطي، كنا نتسابق بنهم لحضور هذه الندوات واللقاءات الحزبية لننهل من هذا العلم والفكر الجديد..
وبدون ذكر أسماء مؤسسي هذه الأحزاب وجلهم من النخب السياسية والاقتصادية، وكنا نسمع منهم كلاما معسولا وعهودا ووعودا بحياة مثالية تسودها العدالة والمساواة والبكاء على حال الوطن، وكانت بعض الأحزاب تعقد المؤتمرات في الفنادق ويتبعها الولائم الغذائية مما تشتهي الأنفس، أو على أقل تقدير تشكيلة وأطباق من الحلويات، ويعتمد ذلك على الوضع المالي للحزب أو مؤسس الحزب الذي كان في النهاية يمتطي كرسي الرئاسة أو الأمانة العامة للحزب حسب مسماه، واتذكر أن وصل عدد الأحزاب السياسية في تلك الفترة ما يربوا عن 33 حزب ، وبعد بضع سنوات توصل عدد من الأحزاب الوسطيه آنذاك وعددها سبعة أحزاب إلى إتفاق على إندماجهم في حزب واحد ألا وهو الحزب الوطني الدستوري ، ولكن يا فرحة ما تمت، فبعد عدة أشهر بدأت مسبحة الحزب بالإنفراط ، وبدأت الاستقالات تتوالى، أفرادا وجماعات ، وهكذا دواليك إلى أن فشل الحزب والأحزاب السياسية برمتها ، وبدأت النقاشات والندوات وورش العمل والمؤتمرات تنقعد في كل مكان لمعرفة ودراسة أسباب فشل الحياة الحزبية ، ليتوصل النخب والخبراء والسياسيين أن سبب الفشل هو قانون الأحزاب ، وبدأت بعد ذلك مرحلة تغيير قوانين الأحزاب قانون بعد آخر ، والكل يعتلي المنصات وكانت ألسنتهم وشفاههم تتحدث وتصدح في الحديث عن المستقبل الزاهر والحياة الفضلى التي بانتظارنا من العدالة والمساواة والشفافية والنزاهة ومكافحة الفساد والمحسوبية والواسطة وما شئت من المثاليات ، في حين كانت أقلامهم وسلوكياتهم تتحدث شكلا آخر من تعيينات الواسطة والمحسوبيات، والظلم بكل أشكاله ، وجيوبهم منتفخة بأموال الفساد ، وها نحن اليوم عدنا إلى نفس الكرة مرة ثانية ، نسمع خطابات العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص والشفافية ومكافحة الفساد والخوف على الوطن ومكافحة الفقر والبطالة ، وتاريخهم في السلطة حافل في الظلم في قرارات تعييناتهم بالواسطات والمحسوبيات، والاقالات للموظفين ذوي الكفاءة والجدارة والنزاهة، ويبكون على الوطن والخوف على مستقبله والكثير من الحديث المنمق ، ستمضي مسيرة الأحزاب وسيتهافت الشباب على الإقبال على الأحزاب السياسية ، لكن وبعد فترة زمنية سيأتي وزير داخلية كما أحد وزراء الداخلية السابقين أو رئيس وزراء كما بعض رؤساء الوزراء السابقين وسيجهضون التجربة بقراراتهم إما التعسفية أو في قرارات الظلم ، أو في التعيينات المستندة على الواسطة والمحسوبيات، وسنعود إلى المربع قبل الأول ، نلطم الكف بالكف ، أيها النخب الحزبية لن ننظر إلى دموعكم ، فهي كدموع الصياد، ولكن سننظر إلى قراراتكم وأفعالكم، فهي كما تفعل يدي الصياد ، فلقد جربناكم ، فالمؤمن لا يلدغ مرتين من نفس المكان أو الشخوص، وللحديث بقية ،حمى الله الوطن من مكروه.