في غمرة حملة التضليل التي تبثتها آلة الإعلام الغربية, بجناحيها الأوروبي وخصوصاً الأميركي والبريطاني (دع عنك الذراع الصهيونية) التي تتعرض لها روسيا, رئيساً على وجه التحديد، ومن بعده المؤسسة العسكرية الروسية وريثة العسكرية السوفياتية, التي هزمت النازية والفاشية, وأبقت المعسكر الغربي في حال طوارئ دائمة منذ اندلاع الحرب الباردة. إلى أن ظهر في الفضاء السوفياتي شخص غامض ومشبوه رافعاً شعار البيرسترويكا والغلاسنوست (الإصلاح والشفافية), اسمه ميخائيل غورباتشوف, مُكمِّلاً المهمة التي انتُدب لتنفيذها على النحو الذي شهِدنا وما نزال نشهد تداعياته منذ العام 1991, دون أن ننسى أو نُهمل الدور التخريبي الذي لعبه توأم غورباتشوف (الروسي/يلتسين في العقد الأخير من القرن العشرين).
نقول: في غمرة ما تبثه وسائل الإعلام الغربية عن تقهقر الجيش الروسي وهزيمة نكراء لحقت به, و«الكفاءة» التي بات يتمتّع بها الجيش الأوكراني, بعدما مدّته الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وبريطانيا وأيضاً حلف شمال الأطلسي وإسرائيل, بمزيد من الأسلحة المتقدمة وخبراء ميدانيين ومعلومات استخبارية, لم تُخف الإدارة الأميركية انها اسهمت بشكل مُؤثر في «التقدم» الذي أحرزه الأوكرانيون في مقاطعة خاركوف, ناهيك عما كشفته صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية عن «وجود غرف عمليات أطلسية - أوكرانية, وبمساهمة قوات خاصة أميركية وفرنسية وبريطانية في الحرب», لم تستطع الدوائر المؤثرة في واشنطن كما بروكسل ولندن إنكار أن الوقت ما يزال مُبكراً للحديث عن «نصر» أوكراني معُلن, أو الرهان على كييف للاحتفاظ لوقت طويل بالأراضي التي سيطرت عليها مؤخراً, بعد قرار القيادة العسكرية الروسية إعادة تجميع قواتها, في منطقة أكد الخبراء الغربيون أن مواصلة الجنود الروس البقاء فيها (قبل قرار سحبهم) كان سيعني فناءهم, كون أي تقدم أوكراني سيفضي حتماً إلى تطويقهم وإغلاق الطريق أمامهم للانسحاب أو المناورة (ما يعكس من بين أمور أخرى فشلاً استخبارياً روسِياً, حيث كانت التوقعات الروسية بأن الهجوم الأوكراني المُضاد سيكون باتجاه خيرسون فإذا بهم يأتون إلى خاركوف, دون أن ننسى السؤال الكبير الذي لا إجابة روسية مُقنِعة عليه: «لماذا لم تضرب روسيا قوافل السلاح الغربية التي تتدفق على أوكرانيا عبر السكك الحديدية البولندية؟),وإذ أكد منسق الاتصالات الاستراتيجية في البيت الأبيض جون كيربي, فاضحاً كل ما ضخته الآلة الإعلامية الغربية وكل ما توفرت عليه من إمكانات, وقدرة على الدس والكذب وترويج الاشاعات وخصوصاً تضخيمها - قال كيربي قبل يومين: إن روسيا تمتلك قوات عسكرية ضخمة جداً وقوية, يمكن استخدامها في اوكرانيا وخارجها.. مُضيفاً.. لقد واجهوا (يقصد الجيش الروسي) الكثير من المشاكل.. لكن روسيا قوة عسكرية كبيرة جداً وقوية للغاية, لافتاً إلى أن «السيد بوتين لديه الكثير من القدرات العسكرية التي يمكن استخدامها ليس فقط في أوكرانيا ولكن من المحتمل في أماكن أخرى».فهل يمكن التشكيك في ما يقوله هذا المسؤول الأميركي الرفيع (كان ناطقاً باسم وزارة الدفاع الأميركية/البنتاغون)؟. ثم ما رأيكم في أقوال بايدن, الذي استبعد أمس أن تكون الحرب تمر بـ«نقطة تحوّل»؟ماذا عن «التقصير» الإعلامي الروسي وفبركات الإعلام الغربي؟ثمَّة حقيقة سطعت خلال الأشهر الستة الماضية, وهي انعدام بل فشل الإعلام الروسي, وذاك المؤيد داخل روسيا, في مواكبة العملية العسكرية وشرح أهدافها والتصدي لحملات الدس والتحريض وسيل الأخبار المزيفة, التي تقف خلفها دوائر استخبارية أميركية وأخرى غربية, وخصوصاً تلك الموجودة داخل روسيا نفسها, على النحو الذي شهدناه في ما تناقلته وسائل الإعلام الغربية عن صحف ومواقع إلكترونية روسية أبدت شماتة بـ"انسحاب وهزيمة الجيش الروسي من خاركوف", لنكتشف أن كل هذه المُسماة صحف ومواقع روسية تعمل من خارج الأراضي الروسية, مثل موقع ميدروزا الإلكتروني الموجود مكتبه في ريغا عاصمة لاتفيا فيما جريدة موسكو تايمز التي توصف بالمستقلة تعمل (online) من امستردام عاصمة هولندا، أما صحيفة نوفايا غازيتا فهي فعلاً الصحيفة المعارضة الليبرالية التي حصل رئيس تحريرها/ديمتري موراتوف على جائزة نوبل للسلام (مناصفة مع صحافية فليبينية) لِـ«جهوده في الدفاع عن حرية التعبير وحرية الصحافة في روسيا»، كما قالت لجنة الجائزة, ولكم أن تقدِّروا كيف يحصل «روسي» على جائزة كهذه, في ظروف دولية عاصفة كهذه؟. زد على ذلك ما يروجونه عن عرائض لعزل بوتين ومحاكمته وفبركات غيرها.في السطر الأخير لفتني الصديق د. زياد الزبيدي إلى مسألة حسابية تقول: إن أوكرانيا لم تستعِد سوى 5% من الأراضي التي خسرتها منذ بدء الحرب, كون روسيا سيطرت على 20% من مساحة أوكرانيا. فيما تزعم كييف انها «حرَّرت» 6000 كم2، إضافة إلى هوس الإعلام الباحث عن العناوين المثيرة, إذ عندما «يعطس» زيلينسكي تتوجه الكاميرات صوبه وعندما يتنحنح يقطعون البث في CNN وBBC وغيرهما، في انتظار إعلان «انتصار أوكراني جديد».kharroub@jpf.com.jo