يجب أن تبقى العيون مفتوحة جيدا على ما يجري في الضفة الغربية، لأن الوضع على كل المستويات يؤشر إلى احتمال انفجار الوضع في فلسطين، بما يترك أثرا في كل المنطقة.
قبل كل شيء يتوجب قول إن اكبر خطيئتين في ملف احتلال فلسطين، هما اولا تسمية هذا الملف بالقضية الفلسطينية ونزع كل اطار اسلامي وعربي وانساني عنه، لتصبح قضية الفلسطينيين وحدهم، بما يعنيه ذلك من تركهم فرادى، واعتبار هذا الملف شأنا خاصا بهم، وثانيهما اتفاقية اوسلو التي شرعنت اسرائيل ومنحت ثلاثة ارباع فلسطين مجانا لدولة اسرائيل المحتلة، دون ان يجرؤ احد من جماعة اوسلو على مراجعة الكبائر الوطنية التي تورطوا بها.خطيئتان مدمرتان ندفع ثمنهما اليوم، على كل المستويات، لأن فلسطين ليست قضية شعب ووطن فقط، بل قضية امة تتفرج اليوم على المشهد بكل حياد، مثلما ان أوسلو تنازلت عن فلسطين، دون ان يفوض احد جماعة أوسلو بارتكاب هذه المصيبة التي لا يمكن التهوين منها، فلا احد فوضهم، ولا طلب منهم التنازل، ولا أعطاهم الحق بعقد صفقة على ظهر فلسطين.في كل الاحوال الوضع في الضفة الغربية خطير ومفتوح على كل الاحتمالات، فالاقتحامات الاسرائيلية للمسجد الاقصى تتوالى يوميا، وتشتد من حيث كثرتها وأعداد المشاركين، وسوف تشتد اكثر خلال نهاية الشهر الحالي، وفي المسار الموازي هناك توحش اسرائيلي في الضفة واعتقالات وقتل واقتحامات، بسبب العمليات التي يقوم بها فلسطينيون يصفهم الاسرائيليون بكونهم الاخطر كونهم من الشباب ولا ينتمون الى اي اطار مرجعي تنظيمي يمكن التفاهم معه.هذا يعني ان الوضع قابل للانفجار، والمراهنة على سلطة اوسلو من اجل تطهير الضفة الغربية امنيا، مراهنة بائسة، لأن السلطة مكروهة بشدة، واظلم، لأنها تنوب عن الاحتلال امنيا في مهماته، وتريد من السلطة دفن الروح الوطنية للفلسطينيين، تحت ذرائع مختلفة، والا لتدخلت اسرائيل مباشرة في الضفة الغربية وسفكت دماء الناس.ما يراد قوله هنا بشكل محدد، ان الوضع في الضفة الغربية في كل الاحوال لن يبقى كما هو، وسلطة اوسلو وكيلة الاحتلال، لن تصمد مطولا اما بسبب صراعات وراثة الرئيس الحالي، او بسبب وجود اجنحة متصارعة، او ما يتعلق بالتنافس على ترضية اسرائيل من جانب الفريق الحاكم في الضفة الغربية، وهذا الوضع يجري في الوقت الذي تتوحش فيه اسرائيل في الضفة الغربية والقدس، مع الافتراض ان هذا التوحش سوف يمر بهدوء ودون كلف او رفض، وهو افتراض هش، تثبته دوما تجارب الشعوب في الوقوف في وجه الاحتلالات.على صعيد الأردن لا يوجد تصور محدد لما يجري في الضفة الغربية، برغم تأثير هذه الملفات على الأردن بشكل مباشر، عبر ملف القدس، وأهل الضفة الغربية، واحتمالات اندلاع انتفاضة ثالثة، وما يزال الأردن يركز على تثبيت سلطة اوسلو، بكل الطرق، وعدم فتح الباب لأي بدائل، او حتى اضعاف السلطة، وقد كان الاولى هنا ان يصحح الأردن عبر علاقاته مع سلطة اوسلو، سلوك السلطة تجاه الفلسطينيين، قبل افتراض قدرتها على ادارة شوؤن اهل الضفة الغربية اليومية، وهو افتراض قد تثبت الايام عدم صحته، او على الاقل عدم نجاحه في كل المراحل.اسرائيل ربما تتعمد اشعال الاوضاع في الداخل، عبر مواصلة الاعتداء على القدس، والضفة الغربية، وما يجري احيانا في غزة، وكل ما يهمها هو فصل الملفات الجغرافية لهذه المناطق عن بعضها بعضا، عبر تصميم معالجة مختلفة لكل ملف، لاعتبارات معروفة، واكثر ما تخشاه اسرائيل ان تسقط الفروقات المصنوعة بين هذه المناطق، اي القدس والضفة وغزة، وتشتبك في مشهد واحد، لكن بمدخلات مختلفة تؤدي الى اعادة خلط الاوراق في كل فلسطين.ما يجري في الضفة الغربية، حساس جدا، والأردن كونه الاقرب الى الضفة لاعتبارات تاريخية وحالية مطالب بالتعامل مع هذا الملف، باعتباره جزءا من الامن الأردني الداخلي، بدلا من المسايرة والحياد ومحاولة تثبيت السلطة فقط باعتبارها الممثل السياسي للفلسطينيين، وهو ممثل قد يخسر كل اوراقه في لحظة واحدة، بسبب الظروف الداخلية، بما يوجب معالجة مختلفة لا تبحث عن البديل، بقدر معالجة اسباب الوضع القائم، جذريا.
التصور الغائب في ملف الضفة الغربية
مدار الساعة (الغد) ـ