هل حقّقت المرأة العربيّة تمكينها الإقتِصادي والسياسي والإجتماعي ، أم أنها لليوم تُعاني من الهيمنة والتبعيّة ؟
ثمة سلوك لفتني، يتكرّر كثيرًا دفعني للبحث فيه وكتابة هذا المقال. سلوكٌ يتعلّق بتمكين المرأة والأدوات التي تستخدمها من أجل تحقيق هذا التّمكين. فيبدو أنّ هناك خلطًا واضِحًا بين التمّكين الذّي ندعو اليه كنِسويّات باستخدام أدوات القوّة كالتعليم والعمل، وبين نوع آخر من التّمكين عن طريق استخدام أدوات هيمنة ثقافيّة ذكوريّة. وفي هذا السياق يُعرّف تمكين المرأة: " على أنّه عمليّة شاملة تكتسِب المرأة بواسطتها سيطرة أكبر على ظروف حياتها، وتشتمل على عدّة أبعاد اقتصاديّة وسياسيّة وتعليميّة واجتماعيّة، بحيث تُعزز قدرتها على السيطرة على الموارِد ، وقدرتها على الإختِيار، والتحكّم في شؤون حياتها، وقبل كلّ شيء تعزيز احتِرامها لذاتها". فكثيرات قد نجحن في الوصول الى مناصِب قياديّة ، وامتلكن مفاتيح القوّة والمهارة والكاريزما التي أهلتهنّ ليكنّ في مواقعهنّ ، ومع ذلك فإنهنّ يتخفيّن وراء سُلطة رجل يُشكّل الأداة الّتي عبّدت الطريق لهنّ ليُحقّقْن ما حقّقْنه. ولا أعني مفهوم الشراكة بين الجنسين و الّذي أؤمن به أشدّ الإيمان ، لكنّي أقصِد العلاقة القائِمة على طرف خاضِع، وآخر مُهيمِن . وأتساءل هُنا : هل أداة الهَيمنة هذه خيارٌ للمرأة ، أم فرضٌ عليها لتُحقّق ذاتها على الرّغم من امتِلاكها لمُقوّمات النجاح، ومهارات القيادة !! فالتمّكين الذّي نسعى اليه نحن النّساء هو تِلك الحالة التي تجعل صاحبتها قادرة على التحرّر من التبعيّة، واعتِمادها الكامِل على مقوّمات ومؤهّلات اكتسبتها بفِعل كدّها وجهدها ، أما الحالة الّتي أقصِدها في مقالي هذا ، فتبقى المرأة فيها تحت رحمة، ومِزاج، وهيمنة أداة ذكوريّة ، يُمثّلها رجلٌ صاحب سطوة. فمَن المسؤول عن هذه التبعيّة، المُجتمع، أم المرأة، أم الرّجل، أم كلّها مُجتمعةً ؟ فالرجل في موقِع القيادة يتصرّف على أن منصبه استحقاقٌ على تعبِه وعمله المُتفاني، بينما نجد أنّ المرأة تبذِل جُهدًا من أجل أن تُثبِت أنها تستحقّ منصبها، وعليها أن تحتمي بمِظلّة رجل صاحب سلطة يتحكّم بها ، وهي في المقابِل تتحمّل ثِقَل ظلّه، و تُصفّق له ، وتتبنّى رؤيته، وحتّى أنها تضحك على نِكاتِه (السّمِجة) . يقول عبدالله الغذامي في كتابه ( المرأة واللغة): " أن النساء فئة ذات أغلبيّة، لكنهنّ يحملن عقليّة الأقليّة. فبعض النماذج من النساء في المواقع القياديّة تظلّ تتصرّف، وكأنّها شخصيّة ثانويّة، أو كأنّها نائِبة عن المُدير لأنها لا تمتلِك الثقة الكافية لتكون آمِرَة ناهية ". وأرى بأنّ المرأة العربية مازالت لليوم تُعاني من الضّعف والتبعيّة، وتضطر لاستخدام أدوات ذكوريّة لتحقّق وصولها، وأخطر هذه الأدوات التخفّي وراء سُلطة رجل تُسهّل تحقيق أهدافها في مقابِل تنازلات تُقدّمها (بوعي أو بدون وعي) قد تُفقدها حريّتها، واحترامها لذاتها. ولا ننسى في هذا السّياق إنّ غياب المعايير، والقوانين الواضِحة والصّارمة، وانتشار الشلليّة في بعض المؤسّسات هي واقِعٌ يدفع بعض النّساء الى استخدام الرجل كأداة تُسهّل تحقيقهنّ لمُكتسبات، وهذا السلوك يُعزّز نهج الذكورة في ثقافة المرأة كما هي في ثقافة الرّجل، ويجعلها أسيرة لما يُسمّى ب(حالة الهيمنة، والتبعيّة) في عالم ثقافي حكَمه، ويحكُمه الرّجال. تحتاج المرأة اليوم لتيّار فِكري بديل عن النموذج الذّكوري وأدواته، كما تحتاج أن تثِق بنفسِها وبقدراتِها بعيدًا عن أدوات السّلطة والهيمنة حتى تمتلِك ذاتها، وتمتلِك قرارها ، وحتى لا يُصبِح تَمكينها ، بطًعْم الهًيْمنة.
جزراوي تكتب: تمكين بطعم الهَيمنة
مدار الساعة ـ