تتعامل النظريات الاقتصادية مع القرارات الإنسانية على أنها تخضع للمنطق دوماً، فهذا الإنسان المنطقي دائما، هو كائن أناني يسعى لتحقيق أكبر قدر من الربح، بأقل جهد، وكذلك النظريات السياسية فهي تتبنى في استنتاجاتها امتلاك الفرد – المواطن- للقدر الكامل والشامل من المعلومات والخلفيات التاريخية والاستشرافات المستقبلية حول أي قضية أو توجه سياسي قد يشكل قضية رأي عام، ونتيجة لهذه التصورات، يفشل أغلب الاقتصاديين والسياسيين في التنبؤ بالأزمات الاقتصادية أو مآلات المخاضات السياسية.
فلو قمنا بتجربة سريعة وسألتك عزيزي القارئ: هل اسم رغف، اسم شائع؟ ستجيب ب "لا" من دون تردد، وستكون إجابتك معتمدة على خبراتك الشخصية، فأنت في الاغلب لا تعرف أحدا يحمل هذا الاسم ولم تسمعه كثيرا في التلفاز أو السينما، لكن في الحقيقة هذا الاسم مشهور جدًا في الهند، ونظرًا لعدد سكان الهند الهائل فشيوعه هناك سيجعله من وجهة نظر عددية (نسبية) ومنطقية شائعا على مستوى العالم. كذلك فالكثير من خياراتنا الاقتصادية اليومية وتوجهاتنا السياسية تخالف توقعات النظريات (العددية أو النسبية) المنطقية، والامثلة على ذلك كثيرة، كامتلاك هاتف قد يتجاوز ثمنه مجمل دخل الفرد الشهري، أو شراء الملابس في فترة العيد (التي يرتفع وقتها ثمن الملابس ارتفاعا قياسيا نتيجة زيادة الطلب)، وكذلك الحال وقت الازمات، فعند ارتفاع نسب البطالة مثلا في بعض التخصصات الجامعية، فالخيار المنطقي هو العزوف عنها ودراسة غيرها، لكننا نواجه زيادة اقبال عليها سنوياً، وعند ارتفاع أسعار بعض السلع فنظريات الاقتصادية تتوقع تراجع الطلب عليها مما سيؤدي لتخفيض أسعارها ( وهذا ما يسمى بالقوة الخفية للسوق) لكن الواقع يخالف هذه التوقعات والامثلة كثيرة عن الحصر. أما بالنسبة للتوجهات السياسية، التي تحكمها كمية المعلومات المتاحة للفرد، فالمواطن سيشعر بالرضى أو السخط حسب ما يعرف عن الملف أو التوجه السياسي، فالطبيب حديث التخرج لن يشتكي من البطالة لكنه سيشتكي من ظروف العمل وتدني الأجور خلال سنوات الاختصاص، لكن خريج الكليات الإنسانية سيشتكي البطالة حتماً ولن تعنيه ظروف العمل غالباً، وهذه الخبرات – المعرفة- ستحدد رد فعل كلا الخريجين حول أي توجه يخص سوق العمل الأردني. يجب على صانع القرار أن يدخل الي قاعة المرايا ليرى كل انعكاسات المجتمع الأردني ليتمكن من التنبؤ بردود افعالهم وفرص نجاح سياسته المقترحة، ومن ثم عليه أن يدخل الأردنيين الى قاعة المرايا أيضا ليريهم انعكاسات سياساته عليهم وعلى واقع معيشتهم حتى تجد الحكومة ارضا وسطا مع المجتمع تستطيع من خلالها كسب ثقتهم ودعمهم الضرورين لنجاحها.
Saifalrawashdeh0@gmail.com