مدار الساعة - في شهر مايو (أيار) الماضي، اتخذت السلطات الأمريكية موقفًا حازمًا تجاه أب وأم، من هواة يوتيوب يستخدمون أبناءهم استخدامًا غير لائق، لتسجيل مقاطع مصورة ونشرها على يوتيوب؛ وحرمتهم الوصاية على الأطفال، خاصة وأن الأم المشاركة في صناعة تلك المقاطع المضحكة، ليست أمهم البيولوجية، ومن ثم أعادت السلطات الأطفال لحضانة والدتهم، والتي صرحت للإعلام إن رؤية أبنائها في تلك المقاطع المصورة كانت محطمة لمشاعرها، وقامت إدارة موقع يوتيوب بإزالة تلك المقاطع، ونشر رسالة اعتذار من الآباء المتهمين بالإهمال والطيش، مؤكدين أن خسارتهم للأطفال كانت أسوء ما حدث لهم، وهذا لم يمنع إدارة موقع يوتيوب من إزالة الإعلانات التجارية الملحقة بالقناة الخاصة بالوالدين، والتي يتابعها أكثر من مليون مشاهد.
السعي وراء كسب المال أو المتابعين عن طريق الإنترنت بشكل عام، ويوتيوب بشكل خاص؛ فتح الباب للعديد من الهواة والمقاطع التجريبية، فالأمر لا يكلف مالًا ولا مجهودًا كبيرًا، وفي المقابل نجاح هذه المقاطع يضمن الكسب المالي، والأعمال الفنية التي تنتج بغرض النشر على يوتيوب، لا تمر على الرقابة الفنية أولًا، كما هو الحال فيما يخص الأعمال الفنية التي تنتج للعرض التلفزيوني ودور العرض السينمائي، وكما توفر هذه الميزة حرية الإبداع، فهي تضع مسؤولية جنائية على صاحب المقاطع المنشورة بشكل مباشر، دون وجود شركة إنتاج لديها الخلفيات القانونية للتعامل مع مثل هذه الأمور.
اختراق الخصوصية أو سرقة مواد تعود حقوق ملكيتها الفكريةلشخص آخر، سيعرضك لعقوبات مثل الغرامة فقط دون التعرض لحكم قد يرسك إلى السجن والسؤال: هل الحرية التي يمنحها لك يوتيوب، قد تكون سببًا في مساءلتك القانونية وإرسالك إلى السجن؟ الإجابة هي: نعم قد يحدث، وسنخبرك في هذا التقرير كيف يمكن حدوث ذلك.
«الكلام في السياسة» على يوتيوب قد يرسلك إلى السجن!
خلال عام 2015، شقت الفرقة المصرية «أولاد الشوارع» طريقها في عالم يوتيوب، أعضاء الفرقة مجموعة من الممثلين الشباب المستقلين، درسوا فن مسرح الشارع بمركز الجزويت الثقافي الفرنسي بمصر، وانطلقوا إلى «الشوارع» لتسجيل مقاطع ساخرة بغرض نشرها على يوتيوب، وتحتوي تلك المقاطع المصورة على طريقة «السيلفي»؛ آراءهم الساخرة عن المجتمع والخطاب الديني والسياسة، وأول مقطع قاموا بنشره كان بعنوان «براعم الإيمان» وكان يسخر من عدم تجديد شكل الخطاب الديني في وسائل الإعلام المملوكة للدولة.
حقق المقطع المصور الأول انتشارًا سريعًا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مما شجع الفرقة لإنتاج المزيد من المقاطع، وبعد مرور ما يقرب من عام على إنشائهم لقناة يوتيوب خاصة بنشر أعمالهم الفنية المستقلة، نشرت الفرقة فيديو بعنوان «سيسي رئيسي» ينتقدون فيه سياسات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه المصري، واصفين قناة السويس الجديدة بالأكذوبة، ومطالبين إياه بشكل ساخر بالرحيل كما رحل الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، وحقق هذا المقطع ما يقرب من نصف مليون مشاهدة، ولكنه وضع «أولاد الشوارع» في أزمة قانونية، وتم القبض عليهم بتهمة تهديد الأمن القومي والتحريض على الإرهاب، وتحفظت عليهم النيابة لمدة 15 يومًا على ذمة التحقيق.
في المقابل حاول الحقوقيون ومتابعو الفرقة الدفاع عن حريتها المرتبطة بحرية الإبداع، ونشروا حملة على مواقع التواصل الاجتماعي بعنون «افرجوا عن الضحك» وساهم في هذه الحملة وزير الثقافة المصري السابق عماد أبو غازي، وأصدرت الحملة بيانًا تضمن: «تصاعد المناخ المعادي لحرية الإبداع والتعبير في مصر عبر الملاحقة والقبض المتكرر على المبدعين والكتاب والتنويريين، حتى وصل إلى درجة مناهضة الضحك بالقبض على فرقة أطفال شوارع الساخرة»، ووقع مجموعة من المثقفين والفنانين على هذا البيان، ومنهم الإعلامي باسم يوسف الذي نشر مقطعًا مصورًا من خلال صفحته الرسمية على تويتر، بنفس الأسلوب الفني للفرقة تحت عنوان «كاميرا التليفون بتهزك».
بعد تحفظ النيابة على الفرقة لمدة تزيد عن شهر، تم الإفراج عنها في منتصف عام 2016، وصرحت الفرقة للإعلام بعد الإفراج عنها، إنها ستكمل نشاطها الفني بشكل جديد، من خلال تصميم صفحة بعنوان «كبدة ومخ» على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، للترويج لبعض الأغاني الشعبية التي ينوون تنفذيهاـ.
الانتشار السريع ولفت الأنظار على يوتيوب.. قد يرسلك إلى السجن
«الكوميديان» الأمريكي إدوارد موسكير أو «العم إد» كما اشتهر في برامج التلفزيون الأمريكية في فترة السبعينيات والثمانينيات، قرر بداية الألفينات الانضمام لركب التكنولوجيا الحديثة، وشق طريقه في عالم المقاطع المصورة على يوتيوب، وحقق شهرة بين الآلاف من المشاهدين على قناته الخاصة بالموقع، ولكن المحتوى الذي قدمه موسكير من خلال يوتيوب، وانتشرت مقاطعه المصورة على مواقع التواصل الاجتماعي انتشارًا سريعًا؛ وكانت سببًا في إرساله إلى السجن.
محتوى المقاطع المصورة لم يكن السبب الرئيسي وراء سجن إدوارد، ولكن انتشاراها السريع كان السبب، لأنه أثار دعوى قضائية قديمة أُتهم فيها بجريمة جنسية، لتحرشه بطفل صغير، وحكم عليه بالسجن ثمانِية أشهر، وبعد الإفراج عنه من السجن ظل تحت الإدانة مع إيقاف التنفيذ لمدة عشر سنوات، ومن ضمن الأحكام الصادرة ضده مقابل الإفراج عنه، هو عدم استخدام «الإنترنت» لترويج أي مواد فنية تخصه، خاصةً وإن كانت تحتوي على إيحاءات جنسية غير لائقة، وتم القبض عليه في عام 2009 لعدم تطبيقه الأحكام الصادرة وحكم عليه بالسجن خمس سنوات.
وكان السبب الرئيسي وراء إنشاء إدوارد لقناة يوتيوب، هو الضرر الذي لحق بمسيرته الفنية ببدايتها؛ عندما اعتقلته السلطات بسبب جريمته الجنسية، والتي وقفت عقبة أمام تشغيله في أي من الأعمال الفنية، فقرر محاولة الوصول إلى جمهوره عبر الإنترنت، والبرنامج الذي قدمه إدوارد، عبارة عن رجل عجوز يقوم بتحريك شفتيه بتزامن مع بعض الأغاني الشهيرة مثل أغنية Pretty Women، مستغلًا تعبيرات وجهه ويديه في تمثيل إيحاءات جنسية، إلى جانب بعض المقاطع التي صورها مع كلبه المدلل وهو يلعق الجزء العلوي من جسده بشكل وجده البعض مقززًا ومنافيًا للآداب العامة.
خدع «المونتاج» غير اللائقة على يوتيوب.. ترسلك إلى السجن
في عام 2011 بولاية متشجن، الشاب إيفان أموري الذي يعمل مدرس موسيقى بإحدى المدارس الابتدائية، فكر في حيلة مبتكرة من أجل صناعة مقطع فيديو ضاحك ومختلف ونشره على يوتيوب، فقام بتصوير درس الموسيقى الذي يجمعه بأطفال المدرسة وهو يغني لهم أغنية أطفال شهيرة، وبعد انتهاء اليوم الدراسي والمدرسة خالية من البشر، قام بتصوير نفسه بنفس الملابس وفي نفس مكان التصوير، وقام بغناء أغنية ذات إيحاءات جنسية، ثم قام بتقطيع ردود أفعال الأطفال على الأغنية الطفولية، وقام بتركبيها عن طريق –المونتاج- على الأغنية الجنسية، ليظهر مقطع الفيديو وكأن الأطفال يسمعون تلك الأغنية الجنسية وينفعلون معها ويعجبون بها، ثم قام بعرض هذا المقطع في أحد النوادي الليلة باعتبارها وسيلة فكاهة بينه وبين أصدقائه، ثم نشره على يوتيوب، ومنذ تلك اللحظة أضحت حياته أكثر تعقيدًا.
في المقابل، اتخذ متابعون لقناة إيفان على يوتيوب موقفًا رافضًا لمحاكمة إيفان، مؤكدين أن التهمة الموجهة له تعتبر مبالغة مقارنة بالفعل الذي أقدم عليه إيفان، وإن تلك التهمة تعتبر تهديدًا واضحًا لحرية الإبداع موضحين: «لم يتعرض أي طفل لأي أذى خلال صناعة هذا المقطع، إنهم يضخمون الأمر للغاية» ولكن رد المدعي العام مؤكدًا أن القوانين لولاية متشجن تنص على عدم استغلال الأطفال أو ظهورهم في واحد من المواد الإباحية سواء تم إيذاء الطفل جسديًا أم لا.
من جابنه، صرح إيفان للإعلام، أن الهدف من وراء صناعة هذا المقطع المصور هو المشاركة بمنتج فني مختلف بأحد حفلات عيد الحب بالنادي الليلي الذي يرتاده، وفي بداية الأمر كان ينوي تنفيذ الفكرة على جمهور من كبار السن، ثم رأي أن استخدام الأطفال سيكون مضحكًا، ولكن الشرطة قامت بتفتيش منزل إيفان وقاموا بمصادرة جهازه المحمول وحاسبه الآلي، الأمر الذي علق عليه باكيًا بعد أن قضى ليلته بالسجن «أنا أعلم أنهم يبحثون عن مواد فنية تخص البيدوفيليا – ممارسة الجنس مع الأطفال- وأنا أشعر بالندم كما لم أشعر به من قبل، ولم أعد أشعر أنني مضحك بالمرة»، وجاء هذا التصريح بعد قضاء ليلته في السجن وإيقافه عن العمل، بينما كانت تصريحاته قبل القبض عليه، وأثناء الجدل حول الفيديو أكثر ثقة ومرحًا، حين سأله المحاور هل يشعر بالندم على إنتاج هذا الفيديو فرد ساخرًا «دعنا نرى عدد المشاهدات التي سيحصدها الفيديو»، ولكن الفيديو حذف من على يوتيوب، ولن يعلم إيفان أبدًا إجابة هذا السؤال.
خسارة إيفان لم تكن قانونية فقط، بل الخسارة المعنوية كانت أكبر، لأن أهل القرية الصغيرة التي تربى بها، والأساتذة في المدرسة التي صور بها المقطع ، كانوا جيرانه وأستاذته وهو صغير، وشعروا بالخيانة وفقدان الثقة في هذا الشاب الذي كبر أمام أعينهم، الأمر الذي زاد من شعور إيفان بالخزي، وصرحت والدة إيفان للإعلام إنها لا تجد الجرأة لمواجهة جيرانها وأصدقائها في القرية، والمرة الأخيرة التي خرجت من المنزل، ركض الأهالي الغاضبين وراء سيارتها، ولم تخرج من البيت منذ ذاك الوقت، وقالت: « أنا اقدر موقفهم.. ولكن عليهم أن يقدروا موقفي أيضًا»
في تقرير خاص بتغطية الحدث، صرح أحد المحامين، إن القوانين الخاصة بعقوبات جرائم الإنترنت لا زالت تتشكل ومن الصعب تحديد تهمة واضحة تحت مسمى إنتاج وتوزيع مواد إباحية تخص الأطفال، وأضاف على هذا التصريح، مأمور البلدة والذي قام باعتقال إيفان بعد تبليغ أكثر من أسرة عن فعلته، إن «التشريعات القانونية تجد صعوبة في مواكبة الإنترنت والذي يعتبر ساحة جديدة علينا جميعًا»، بينما أكد محامي الدفاع عن الشاب المتهم، أن ما فعله إيفان كان فعلًا خاطئًا، ولكنه ليس كافيًا لتدمير حياة الشاب بالكامل. ولذلك، وبعد قضاء ما يزيد عن شهرين في السجن، تم الإفراج عن إيفان، والذي رفض أن يتحدث عن القضية مرة أخرى، موضحًا أن الوقت الذي قضاه في السجن كان وقتًا كافيًا لإعادة النظر في حياته والتركيز على مستقبله تركيزًا جديًا والجدير بالذكر أن قناة ايفان على موقع يوتيوب ما زالت موجودة ولكنه لم ينشر أي مقطع فيديو منذ ما يزيد عن أربع سنوات.
المبالغة في السخرية للحصول على مشاهدات أكثر.. قد ترسلك إلى السجن
حققت قناة المجموعة على يوتيوب شهرة واسعة، بعد أن نفذوا خدعة في إحدى مباريات الدوري الأوروبي عام 2014، حين تسببوا في تعطيل المباراة؛ باقتحام أحد أفراد المجموعة للملعب محاولًا تصوير نفسه «سيلفي» مع أحد اللاعبين، وركض في الملعب لما يزيد عن ثلاث دقائق هاربًا من رجال الأمن الذي حاولوا إخراجه من الملعب ليستكملوا المباراة، وحصد هذا المقطع ما يزيد عن مليون مشاهدة، وزاد رصيدهم من المتابعين لما يقرب من مليون متابع في العالم.
في عام 2016 نشرت المجموعة مقطع فيديو على يوتويب، لخدعة تتضمن إثارة رعب المواطنين في الطرقات، عن طريق إيهامهم أن شخصًا عربيًا يحاول تفجير ميناء جوي، وبعدها بشهور، نفذوا خدعة بالمعرض الوطني للبورتريه في لندن، حين أطلقوا جهاز الإنذار، وظهر أعضاء تلك المجموعة وهم يرتدون جوارب على رؤوسهم، مدعين أنهم قتلة وسارقين هجموا على المتحف من أجل سرقة وقتل المواطنين، الأمر الذي أثار ذعر جمهور المتحف وركضوا هاربين مما تسبب في سقوط امرأة وإصابات البعض بسبب التدافع والذعر، وقد تسبب هذا المقطع بالقبض على المجموعة وحبسهم لما يزيد عن خمسة أشهر، بتهمة إثارة الذعر وتهديد الأمن القومي من أجل الربح وتزويد قناة يوتيوب الخاصة بهم بمقاطع يفترض أنها مضحكة، ساعين وراء الشهرة. كما أوضح أحد المحققين في تلك الجريمة قائلًا أن «رغبة هولاء الشباب في الشهرة وإضحاك جماهيرهم على يوتيوب، جعلتهم غير مدركين لما هو فكاهي وما هو غير لائق».
المدة التي قضتها مجموعة Trollstation في السجن، لم تؤثر على رغبتهم في استمرار قناة يوتيوب الخاصة بهم، وفي أبريل (نيسان) الماضي، نشرت المجموعة مقطعًا مصورًا لحفلة أقاموها في أحد عربات المترو، وتضمنت الحفلة أجهزة صوت كاملة وكرة الإضاءة المستخدمة في النوادي الليلة المخصصة للرقص، واستمرت الحفلة الصاخبة بمترو الأنفاق حتى وصلت الشرطة وأوفقت هذا «الهذيان» كما وصفه ضابط الشرطة على حسابه الخاص بموقع التواصل الاجتماعي تويتر.
نشر مقطع عنيف على يوتيوب.. قد يرسلك إلى السجن
وفي نفس العام، قرر جاري جونسان ممرض الإسعافات الأولية، أن يقوم بإنتاج فيديو منزلي محاكيًا الفيلم الأمريكي Fight Club بشكل ساخر، واستعان في الفيديو بابنه المراهق وبعضًا من أصدقائه، وبعد نشر المقطع المصور على موقع يوتيوب، قبضت السلطات الأمريكية في ولاية فلوريدا على الأب بتهمة الاعتداء على مراهق بالضرب والإيذاء الجسدي.
ظهر الأب في المقطع المصور، وهو يضرب ابنه المراهق دون توقف، غير مهتم بتكومه على الأرض وهو يخفي وجهه ليحميه من لكمات أبيه العنيفة، مع صوت الأم الصارخ في الخلفية مطالبة إياه بالتوقف عن الضرب، ولكنه لم يعطها اهتمامًا، وصرح الابن فيما بعد للإعلام إنه أصيب إصابات تحتاج لرعاية طبية. ووفقًا لتقرير الشرطة، برر جاري موقفه، بأنه كان يشارك ابنه وأصدقاءه المراهقين في لعبة مماثلة للعبة فيلم نادي القتال، وقرر أن يقوم بتصوير مباراة الضرب لتكون عادلة، وأكدت الشرطة أن تشجيعه لتلك اللعبة تصرف متهور، والمشاركة فيها بضرب المراهقين تجعله يواجه تهمة قد ترسله إلى السجن لمدة 57 عامًا أو لعشر سنوات على الأقل، في حالة نجاح الدفاع بالوصول إلى حكم مخفف، وعندما أدان القضاء الأب بارتكابه تلك التهم وأعلنت هيئة المحلفين أنه مذنب، أغشي عليه في قاعة المحكمة.
ساسة بوست