لا شك بأن مهنة الطب مهنة مقدسة وإنسانية وذات مكانة في المجتمعات ومنذ الأزل، وكل ذلك فضلا عن إيراداتها عند صناعة طبيب عام وأخصائي ومستشار ... إلخ، ولا ننكر حاجة المجتمعات والدول بتوظيف عقول عباقرتها وتوجيههم من عقود وأكثر نحو هذه المهن، والتي تحفظ صحة المواطنين وتعالج المرضى بكافة الأمراض ومراحلها، على أنها مهنة لن يصل إليها إلا المجد المجتهد المثابر لصعوبة موادها ودراستها وطول دربها في الدراسة والإمتياز والتخصص... إلخ.
الأردن من الدول التي يشار لها بالبنان في بناء منظومة صحية إعتمدت على خريجي جامعاتها، والتي بدأت بتدريس الطب إنطلاقا من الجامعة الأردنية أم الجامعات والتي أسست أول كلية طب من بين جامعاتنا، لتبدأ بقية الجامعات رحلتها في تأسيس كليات الطب لتخرج الآلاف سنويا، ويوزايها بذلك آلاف الخريجين من بعض دول العالم والتي يدرس بها أبناؤنا ذات التخصص.المهنة اليوم أصبحت تعاني كما هو حال باقي المهن الركود وقلة التعيينات، وهنالك ضغوط نفسية ترافق الطالب في سنوات دراسته الست وترافق الطبيب الخريج بمراحل الإمتياز والبورد والتخصص؛ مالية وفنية وعلمية ونفسية... إلخ. أمام دخول عصر الثورة الصناعية الرابعة وعالم يتقدم علميا بشكل متسارع ودول تنتعش بإقتصاد التكنولوجيا والعلم، وعند أخذ الحديث السابق بعين الإعتبار ومع توجه الدول للإستثمار بعلوم المستقبل والإبتكارات عبر عقول الشباب، ومع زيادة الإقبال على دراسة الطب وتعقيدات رحلته الطويلة وزيادة خريجيه وركوده كمهنة وهدره لعباقرتنا، يفتح كل ذلك الباب لطرح وتساؤل معا عن دور الجامعات والتعليم العالي في إستقطاب صفوة عباقرة شبابنا ذوي المعدلات العالية في الثانوية العامة، والبدء بإبتعاثهم ضمن برنامج معلوم للبكالوريوس في جامعات عالمية مرموقة، وللماجستير والدكتوراة بتخصصات ترتبط بعلوم المستقبل من نانوتكنولوجي وذكاء إصطناعي وطاقة متجددة وتقنيات التكيف مع التغير المناخي وصناعات الإقتصاد الأخضر... إلخ. نعم يفتخر الآباء والأمهات بمجتمعنا لما يجني إبنهم أو إبنتهم ثمرة تعبه بالتوجيهي ويحصل مقعد طب، ولكن إن تم تبني الطرح السابق سيفخرون أكثر بأن الجامعة قد تبنت هذا العبقري للمستقبل لكي تنافس وتبقى، لأن من لا يتطور ينقرض.كم من عباقرة إستهلكهم تخصص الطب في بلادنا، بينما كان من الممكن أن يبدعوا في مجالات الفيزياء والكيمياء والأحياء وغيرها، ونخرج باحثين عباقرة وأساتذة وعلماء في هذه التخصصات، واليوم الفرصة ما زالت أمامنا. نضع الطرح أمام سمو ولي العهد والذي يتابع الملفات الإقتصادية والتنموية والمرتبطة بالتعليم ومخرجاته خاصة، ويهتم بعلوم المستقبل والشباب معا. الدول تقوم على شبابها وسواعدهم وعقولهم، ولا يمكن أن يبقى المجتمع يرى تخصص الطب هدفا لكل عبقري. إبتكار أو إختراع أو إكتشاف نوعي واحد قد يساهم بمضاعفة الناتج القومي الإجمالي لأي دولة أضعافا ويعزز إقتصادها وموقفها السياسي.
سباق دراسة الطب وإستهلاك عباقرتنا الشباب... أمام سمو ولي العهد
مدار الساعة ـ